المستكفي بالله سليمان
بن المتوكل 825 هـ ـ 854 هـ
المستكفي بالله : أبو الربيع سليمان بن المتوكل .
ولي الخلافة بعهد من أخيه و هو شقيقه ، و كتب له والدي رحمه الله نسخة العهد .
و هذه صورتها : هذا ما أشهد به على نفسه الشريفة حرسها الله تعالى و حماها ، و
صانها من الأكدار و رعاها ، سيدنا و مولانا ذو المواقف الشريفة الطاهرة الزكية ، و
الإمامية الأعظمية ، العباسية ، النبوية ، المعتضدية ، أمير المؤمنين ، و ابن عم
سيد المرسلين ، و وارث الخلفاء الراشدين ، المعتضد بالله تعالى أبو الفتح داود أعز
الله به الدين ، و أمتع ببقائه الإسلام و المسلمين ، أنه عهد إلى شقيقه المقر
العالي ، المولوي الأصلي العريقي الحسيبي ، النسيبس ، الملكي : سيدي أبي الربيع
سليمان المستكفي بالله عظم الله شأنه بالخلافة المعظمة ، و جعله خليفة بعده ، و
نصبه إماماً على المسلمين ، و عهداً شرعياً ، معتبراً مرضياً ، نصيحة المسلمين ، و
وفاء بما يجب عليه من مراعاة مصالح الموحدين ، و اقتداء بسنة الخلفاء الراشدين ، و
الأئمة الهديين . و ذلك لما علم من دينه و خيره و عدالته ، و كفايته و أهليته ، و
استحقاقه بحكم أنه اختبر حالة و علم طويته ، و أن الذي يدين الله به أنه أتقى ممن
رآه ، و أنه لا يعلم صدر منه ما ينافي استحقاقه لذلك ، و أنه إن ترك الأمر هملاً من
غير تفويض للمشار إليه أدخل إذ ذاك المشقة على أهل الحل و العقد في اختيار من
ينصبونه للإمامة و يرتضونه لهذا الشأن ، فبادر إلى هذا العهد شفقة عليهم ، و قصداً
لبراءة ذمتهم ، و وصول الأمر إلى من و أهله ، لعمله أن العهد كان غير محوج إلى رضا
سائر أهله ، و واجب على من سمعه و تحمل ذلك من أن يعمل به و يأمر بطاعته عند الحاجة
إليه و يدعو الناس إلى الانقياد له ، فسجل ذلك عليه من حضره حسب إذنه الشريف ، و
سطر عن أمره قبل ذلك سيدي المستكفي أبو الربيع سليمان المسمى فيه عظم الله شأنه
قبولاً شرعياً .
و كان من صلحاء الخلفاء صالحاً ديناً عابداً ، كثير التعبد و الصلاة و التلاوة كثير
الصمت ، منعزلاً عن الناس ، حسن السيرة .
و قال في حقه أخوه المعتضد : لم أر على أخي سليمان منذ نشأ كبيرة .
و كان الملك الظاهر يعتقده ، و يعرف له حقه ، و كان والدي إماماً له ، و كان عنده
بمكان رفيع ، خصيصاً به محترماً عنده جداً ، و أما نحن فلم ننشأ إلا في بيته و فضله
، و آله خير آل ديناً و عبادة و خيراً ، و ما أظن أنه وجد على ظهر الأرض خليفة بعد
آل عمر بن عبد العزيز أعبد من آل بيت هذا الخليفة .
مات في الجمعة سلخ ذي الحجة سنة أربع و خمسين ، و له ثلاث و ستون سنة ، و لم يعش
والدي بعده إلا أربعين يوماً ، و مشى السلطان في جنازته إلى تربته ، و حمل نعشه
بنفسه .
مات في أيامه من الأعلام : التقي المقريزي ، و الشيخ عبادة ،
و ابن كميل الشاعر ، و الوفائي ، و القاياتي ، و شيخ الإسلام ابن حجر . |