الظاهر بأمر الله محمد
بن الناصر لدين الله 622 هـ ـ 623 هـ
الظاهر بأمر الله : أبو نصر محمد بن الناصر لدين الله .
ولد سنة إحدى و سبعين و خمسمائة ، و بايع له أبوه بولاية العهد ، و استخلف عند موت
والده و هو ابن اثنتين و خمسين سنة ، فقيل له : ألا تتفسح ؟ قال : لقد يبس الزرع ،
فقيل : يبارك الله في عمرك ، قال : من فتح دكاناً بعد العصر إيش يكسب ؟ .
ثم إنه أحسن إلى الرعية ، و أبطل المكوس ، و أزال المظالم ، و فرق الأموال . ذكر
ذلك أبو شامة .
و قال ابن الأثير في الكامل
: لما ولي الظاهر الخلافة أظهر من العدل و الإحسان ما أعاد به سنة العمرين ،
فلو قيل : إنهما ولي الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز مثله لكان القائل صادقاً ، فإنه
أعاد من الأموال المغصوبة ، و الأملاك المآخوذة في أيام أبيه و قبلها شيئاً كثيراً
، و أبطل المكوس في البلاد جميعها ، و أمر بإعادة الخراج القديم في جميع العراق و
بإسقاط جميع ما جدده أبوه و كان ذلك كثيراً لا يحصى .
فمن ذلك أن قرية بعقوبا كان يحصل منها قديماً عشرة آلاف دينار ، فلما استخلف الناصر
كان يؤخذ منها في السنة ثمانون ألف دينار فاستغاث أهلها فأعادها الظاهر إلى الخراج
الأول .
و لما أعاد الخراج الأصلي على البلاد حضر خلق ، و ذكروا أن أملاكهم قد يبست أكثر
أشجارها و خربت ، فأمر أن لا يؤخذ إلا من كل شجرة سالمة .
و من عدله أن صنجة الخزانة كانت راجحة نصف قيراط في المثقال ، يقبضون بها ، و يعطون
بصنجة البلد ، فخرج خطه إلى الوزير و أوله ويل للمطففين
الآيات و فيه : قد بلغنا أن الأمر كذا و كذا ، فتعاد صنجة الخزانة إلى ما يتعامل به
الناس ، فكتبوا إليه أن هذا فيه تفاوتاً كثيراً ، و قد حسبنا في العام الماضي فكان
خمسة و ثلاثين ألف دينار ، فأعاد الجواب ينكر على القائل و يقول : يبطل و لو أنه
ثلثمائة ألف و خمسون ألف دينار .
و من عدله أن صاحب الديوان قدم من واسط و معه أزيد من مائة ألف دينار من ظلم ،
فردها على أربابها ، و أخرج أهل الحبوس و أرسل إلى القاضي عشرة آلاف دينار ليوفيها
عمن أعسر ، و فرق ليلة عيد النحر على العلماء و الصلحاء مائة ألف دينار ، و قيل له
: هذا الذي تخرجه من الأموال لا تسمح نفس ببعضه ، فقال : أنا فتحت الدكان بعد العصر
فاتركوني أفعل الخير ، فكم بقيت أعيش ؟ .
و وجد في بيت من داره ألوف رقاع كلها مختومة ، فقيل له : لم لا تفتحها ؟ قال : لا
حاجة لنا فيها ، كلها سعايات ، و هذا كله كلام ابن الأثير
.
و قال سبط ابن الجوزي : لما دخل إلى الخزائن قال له
خادم : كانت في أيام آبائك تمتلىء ، فقال : ما جعلت الخزائن لتمتلىء ، بل تفرغ و
تنفق في سبيل الله ، فإن الجمع شغل التجار ؟ .
و قال ابن واصل : أظهر العدل ، و أزال المكس ، و ظهر
للناس ، و كان أبوه لا يظهر إلا نادراً .
توفي رحمه الله في ثالث عشر رجب سنة ثلاث و عشرين ، فكانت خلافته تسع أشهر و أياماً
.
و قد روى الحديث عن والده بالإجازة ، ورى عنه أبو صالح نصر بن عبد الرزاق ابن الشيخ
عبد القادر الجيلي .
و لما توفي اتفق خسوف القمر مرتين في السنة ، فجاء ابن الأثير
نصر الله رسولاً من صاحب الموصل برسالة في التعزية ـ أولها :
ما لليل و النهار لا يعتذران و قد عظم حادثهما ، و ما للشمس و القمر لا ينكسفان و
قد فقد ثالثهما :
فيا وحشة الدنيا و كانت أنيسة و وحدة من فيها لمصرع واحد
و هو سيدنا و مولانا الإمام الظاهر أمير المؤمنين ، الذي جعلت ولايته رحمة للعالمين
، إلى آخر الرسالة .
|