|
|
الحاكم بأمر الله أحمد
بن الحسن بن أبي بكر بن الحسن 661هـ ـ 701هـ
الحاكم بأمرالله : أبو العباس أحمد بن أبي علي الحسن بن أبي بكر بن الحسن بن علي
القبي ـ بضم القاف و تشديد الباء الموحدة ـ ابن الخليفة المسترشد بالله بن المستظهر
بالله .
كان اختفى وقت أخذ بغداد و نجا ، ثم خرج منها و في صحبته جماعة ، فقصد حسين ابن
فلاح أمير بني خفاجة ، فأقام عنده مدة ، ثم توصل مع العربي إلى دمشق ، و أقام عند
الأمير عيسى بن مهنأ مدة ، فطالع به الناصر صاحب دمشق ، فأرسل يطلبه فبغته مجيء
التتار ، فلما جاء الملك المظفر دمشق سير في طلبه الأمير قلج البغدادي ، فاجمع به و
بايعه بالخلافة ، و توجه في خدمته جماعة من أمراء العرب ، فافتتح الحاكم غانة بهم ،
و الحديثة ، و هيت ، و الأنبار ، و صاف التتار ، و انتصر عليهم ، ثم كاتبه علاء
الدين طيبرس نائب دمشق يومئذ و الملك الظاهر يستدعيه ، فقدم دمشق في صفر ، فبعثه
إلى السلطان ، و كان المستنصر بالله قد سبقه بثلاثة أيام إلى القاهرة ، فما رأى أن
يدخل إليها خوفاً من أن يمسك ، فرجع إلى حلب فبايعه صاحبها و رؤساؤها منهم عبد
الحليم بن تيمية ، و جمع خلقاً كثيراً ، و قصد غانة ، فلما رجع المستنصر وافاه
بغانة ، فانقاد الحاكم له و دخل تحت طاعته ، فلما عدم المستنصر في الوقعة المذكورة
في ترجمته قصد الحاكم الرحبة و جاء إلى عيسى بن مهنأ ، فكاتب الملك الظاهر بيبرس
فيه ، فطلبه ، فقدم إلى القاهرة و معه ولده و جماعة ، فأكرمه الملك الظاهر ، و
بايعوه بالخلافة ، و امتدت أيامه ، و كانت خلافته نيفاً و أربعين سنة ، و أنزله
الملك الظاهر بالبرج الكبير بالقلعة و خطب بجامع القلعة مرات .
قال الشيخ قطب الدين في يوم الخميس ثامن المحرم سنة
إحدى و ستين جلس السلطان مجلساً عاماً ، و حضر الحاكم بأمر الله راكباً إلى الإيوان
الكبير بقلعة الجبل ، و جلس مع السلطان ، و ذلك بعد ثبوت نسبه ، فأقبل عليه السلطان
و بايعه بإمرة المؤمنين ، ثم أقبل هو على السلطان و قلده الأمور ، ثم بايعه الناس
على طبقاتهم ، فلما كان من الغد يوم الجمعة خطب خطبة ذكر فيها الجهاد و الإمامة ، و
تعرض إلى ما جرى من هتك حرمة الخلافة ، ثم قال : و هذا السلطان الملك الظاهر قد قام
بنصر الإمامة عند قلة الأنصار ، و شرد جيوش الكفر بعد أن جاسوا خلال الديار ، و أول
الخطبة : الحمد لله الذي أقام لآل العباس ركناً و ظهيراً ، ، ثم كتب بدعوته إلى
الآفاق .
و في هذه السنة و بعدها تواتر مجيء جماعة من التتار مسلمين مستأمنين ، فأعطوا
أخباراً و أرزاقاً ، فكان ذلك مبدأ كفاية شرهم .
و في سنة اثنتين و ستين فرغت المدرسة الظاهرية بين القصرين ، و ولى بها تدريس
الشافعية التقي ابن رزين ، و تدريس الحديث الشرف الدمياطي .
و فيها زلزلت مصر زلزلة عظيمة .
و في سنة ثلاث و ستين انتصر سلطان المسلمين بالأندلس أبو عبد الله بن الأحمر على
الفرنج ، و استرجع من أيديهم اثنتين و ثلاثين بلداً : من جملتها إشبيلية و مرسية .
و فيها كثر الحريق بالقاهرة في عدة مواضع ، و وجد لفائف فيها النار و الكبريت على
الأسطحة .
و فيها حفر السلطان بحر أشمون ، و عمل فيه بنفسه و الأمراء .
و فيها مات طاغية التتار هلاكو ، و ملك بعده ابنه أبغا .
و فيها سلطن السلطان ولده الملك السعيد و عمره أربع سنين ، و ركبه بأبهة الملك في
قلعة الجبل ، و حمل الغاشية بنفسه بين يديه ولده من باب السر إلى باب السلسلة ، ثم
عاد و ركب إلى القاهرة و الأمراء مشاة بين يديه .
و فيها جدد بالديار المصرية القضاة الأربعة ، من كل مذهب قاض ، و سبب ذلك توقف
القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز عن تنفيذ كثير من الأحكام ، و تعطلت الأمور ، و
أبقى للششافعي النظر في أموال الأيتام ، و أمور بيت المال ، ثم فعل ذلك بدمشق .
و في رمضان منها حجب السلطان الخليفة ، و معه الناس لكون أصحابه كانوا يخرجون إلى
البلد و يتكلمون في أمر الدولة .
و في سنة خمس و ستين و ستمائة أمر السلطان بعمل الجامع بالحسنية ، و تم في سنة سبع
و ستين ، و قرر له خطيب حنفي .
و في سنة أربع و سبعين وجه السلطان جيشاً إلى النوبة و دنقلة ، فانتصروا و أسر ملك
النوبة ، و أرسل به إلى الملك الظاهر ، و وضعت الجزية على أهل دنقلة ، و لله الحمد
.
قال الذهبي : و أول ما غزيت النوبة في سنة إحدى و
ثلاثين من الهجرة ، غزاها عبد الله بن أبي سرح في خمسة آلاف فارس ، و لم يفتحها ،
فهادنهم و رجع ، ثم غزيت في زمن هشام ، و لم تفتح ، ثم في زمن المنصور ، ثم غزاها
تكن الزنكي ، ثم كافور الأخشيدي ، ثم ناصر الدولة ابن حمدان ، ثم توران شاه أخو
السلطان صلاح الدين في سنة ثمانية و ستين و خمسمائة ، و لم تفتح إلا هذا العام ، و
قال في ذلك ابن عبد الظاهر :
هذا هو الفتح لا شيء سمعت به في شاهد العين لا ما في
الأسانيد
و في سنة ست و سبعين مات الملك الظاهر بدمشق في المحرم ، و استقل ابنه الملك السعيد
محمد بالسلطنة و له ثمان عشرة سنة .
و فيها جمع التقي بن رزين بين قضاء مصر و القاهرة ، و كان قضاء مصر قبل ذلك مفرداً
عن قضاء القاهرة ، ثم لم يفرد بعد ذلك قضاء مصر عن قضاء القاهرة .
و في سنة ثمان و سبعين خلع الملك السعيد من السلطنة ، و سير إلى الكرك سلطاناً بها
، فمات من عامه ، و ولوا مكانه بمصر أخاه بدر الدين سلامش ـ و له سبع سنين ـ و
لقبوه بـ [ الملك العادل ] و جعلوا أتابكة الأمير سيف الدين قلاوون و ضرب السكة
باسمه على وجه ، و دعي لهما في الخطبة ، ثم في رجب نزع سلامش من السلطنة بغير نزاع
، و تسلطن قلاوون ، و لقب بـ [ الملك المنصور ] .
و في سنة تسع و سبعين يوم عرفة وقع بديار مصر برد كبار و صواعق .
و في سنة ثمانين وصل عسكر التتار إلى الشام ، و حصل الرجيف ، فخرج السلطان لقتالهم
، و وقع المصاف ، و حصل مقتلة عظيمة ، ثم حصل النصر للمسلمين ، و لله الحمد .
و في سنة ثمان و ثمانين أخذ السلطان طرابلس بالسيف ، و كانت في أيدي النصارى من سنة
ثلاث و خمسمائة إلى الآن ، و كان أول فتحها في زمن معاوية ، و أنشأ التاج ابن
الأثير كتاباً بالبشارة بذلك إلى أصحاب اليمن يقول فيه : و كانت الخلفاء و الملوك
في ذلك الوقت ما فيهم إلا من هو مشغول بنفسه ، مكب على مجلس أنسه ، يرى السلامة
غنيمة ، و إذا عن له وصف الحرب لم يسأل إلا عن طريق الهزيمة ، قد بلغ أمله من
الرتبة ، و قنع بالسكة و الخطبة ، أموال تنهب ، و ممالك تذهب ، لا يبالون بما سلبوا
، و هم كما قيل :
إن قاتلونا قتلوا ، أو طاردوا طردوا أو حاربوا حربوا ،
أو غالبوا غلبوا
إلى أن أوجد الله من نصر دينه ، و أذل الكفر و شياطينه .
و ذكر بعضهم أن معنى طرابلس باللسان الرومي ثلاثة حصون مجتمعة .
و في سنة تسع و ثمانين مات السلطان قلاوون في ذي القعدة ، و تسلطن ابنه الملك
الأشرف صلاح الدين خليل ، فأظهر أمر الخليفة و كان خاملاً في أيام أبيه ، حتى إن
أباه لم يطلب منه تقليداً بالملك ، فخطب الخليفة بالناس يوم الجمعة ، و ذكر في
خطبته توليته للملك الأشرف أمر الإسلام .
و لما فرغ من الخطبة صلى بالناس قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة ، ثم خطب الخليفة
مرة خطبة أخرى جهادية ، و ذكر بغداد و حرض على أخذها .
و في سنة لإحدى و تسعين سافر السلطان فحاصر قلعة الروم .
و في سنة ثلاث و تسعين و ستمائة قتل السلطان بتروجة ، و سلطنوا أخاه محمد بن
المنصور ، و لقب [ الملك الناصر ] ، و له يومئذ تسع سنين ، ثم خلع في المحرم سنة
أربع و تسعين ، و تسلطن كتبغا المنصوري ، و تسمى بـ [ الملك العادل ] .
و في هذه السنة و دخل في الإسلام قازان بن أرغون بن أبغا بن هلاكو ملك التتار ، و
فرح الناس بذلك ، و فشا الإسلام في جيشه .
و في سنة ست و تسعين و ستمائة كان السلطان بدمشق ، فوثب لاجين على السلطنة ، و حلف
له الأمراء ، و لم يختلف عليه اثنان ، و لقب [ الملك المنصور ] و ذلك في صفر ، و
خلع عليه الخليفة الخلعة السوداء ، و كتب له تقليداً ، و سير العادل إلى صرخد
نائباً بها ، ثم قتل لاجين في جمادى الآخرة سنة ثمان و تسعين ، و أعيد الملك الناصر
محمد بن المنصور قلاوون ، و كان منفياً بالكرك ، فقلده الخليفة ، فسير العادل إلى
حماة نائباً بها ، فاستمر إلى أن مات سنة اثنتين و سبعمائة .
و في سنة إحدى و سبعمائة توفي الخليفة الحاكم إلى رحمة الله ، ليلة الجمعة ثامن عشر
جمادى الأولى ، و صلى عليه العصر بسوق الخيل تحت القلعة ، و حضر جنازته رجال الدولة
و الأعيان كلهم مشاة ، و دفن بقرب السيدة نفيسة ، و هو أول من دفن منهم هناك و
استمر مدفنهم إلى الآن ، و كان عهد بالخلافة لولده أبي الربيع سليمان .
و ممن مات في أيام الحاكم من الأعلام : الشيخ عزالدين بن عبد
السلام ، و العلم اللورقي ، و أبو القاسم القباري الزاهد ، و الزين خالد النابلسي ،
و الحافظ أبو بكر بن سدي ، و الإمام أبو شامة ، و التاج ابن بنت الأعز ، و أبو
الحسن بن عدلان ، و مجد الدين ابن دقيق العيد ، و أبو الحسن بن عصفور النحوي ، و
الكمال سلار الإربلي ، و عبد الرحيم ابن يونس صاحب [ التعجيز ] ، و القرطبي صاحب
التفسير و التذكرة ، و الشيخ جمال الدين ابن مالك ، و ولده بدر الدين ، و النصير
الطوسي رأس الفلاسفة و خاصة التتار ، و التاج ابن السباعي خازن المستنصرية و البهان
ابن جماعة ، و النجم الكاتبي المنطقي ، و الشيخ محيي الدين النووي ، و الصدر سليمان
إمام الحنفية ، و التاج ابن مسير المؤرخ ، و الكواشي المفسر ، و التقي بن رزين ، و
ابن خلكان صاحب [ وفيات الأعيان ] ، و ابن إياز النحوي ، و عبد الحليم بن تيمية ، و
ابن جعوان ، و ناصر الدين بن المنبر ، و النجم ابن البارزي ، و البرهان النسفي صاحب
التصانيف في الخلاف و الكلام ، و الرضي الشاطبي اللغوي ، و الجمال الشريشي ، و
النفسي شيخ الأطباء ، و أبو الحسين بن أبي الربيع النحوي ، و الأصبهاني شارح
المحصول ، و العفيف التلمساني الشاعر المنسوب إلى الإلحاد ، و التاج ابن الفركاح ،
و الزين بن المرحل ، و الشمس الجوني ، و العز الفاروقي ، و المحب الطبري ، و التقي
ابن بنت الأعز ، و الرضي القسطنطيني ، و البهاء ابن النحاس النحوي ، و ياقوت
المستعصمي صاحب الخط المنسوب ، و خلائق آخرون .
|
|
|