|
|
المستعصم عبد الله بن
المستنصر بالله [ قتيل التتار ] 640 هـ ـ 659هـ
المستعصم بالله : أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله ، آخر الخلفاء العراقيين .
ولد سنة تسع و ستمائة ، و أمه أم ولد اسمها هاجر ، و بويع له بالخلافة عند موت أبيه
، أجاز على يد ابن النجار المؤيد الطوسي و أبو روح الهروي و جماعة ، و روى عنه
بالإجازة جماعة : منهم النجم البادرائي ، و الشرف الدمياطي ، و خرج له الدمياطي
أربعين حديثاً رأيتها بخطه ، و كان كريماً ، حليماً سليم الباطن ، حسن الديانة .
قال الشيخ قطب الدين : كان متديناً ، متمسكاً بالسنة
كأبيه و جده ، و لكنه لم يكن مثلهما في التيقظ و الحزم و علو الهمة ، و كان
للمستنصر أخ يعرف بالخفاجي يزيد عليه في الشجاعة و الشهامة ، و كان يقول : إن ملكني
الله الأمر لأعبرن بالجيوش نهر جيحون ، و أنتزع البلاد من التيار و أستأصلهم ، فلما
توفي المستنصر لم ير الدوايدار و الشرابي و الكبار تقليد الخفاجي الأمر ، و خافوا
منه ، و آثروا المسشتعصم للينه و انقياده ، ليكون لهم الأمر ، فأقاموه ، ثم ركن
المستعصم إلى وزيره مؤيد الدين العلقمي الرافضي ، فأهلك الحرث و النسل ، و لعب
بالخليفة كيف أراد ، و باطن التتار ، و ناصحهم ، و أطمعهم في المجيء إلى العراق ، و
أخذ بغداد ، و قطع الدولة العباسية ليقيم خليفة من آل علي ، و صار إذا جاء خبر منهم
كنمه عن الخليفة ، و يطالع بأخبار الخليفة التيار إلى أن حصل ما حصل .
و في سنة سبع و أربعين من أيامه أخذت الفرنج دمياط ، و السلطان الملك صالح مريض ،
فمات ليلة نصف شعبان ، فأخفت جاريته أم خليل المسماة [ شجرة الدر ] موته ، و أرسلت
إلى ولده توران شاه الملك المعظم ، فحضر ، ثم لم يلبث أن قتل في المحرم سنة ثمان و
أربعين و ستمائة . و ثب عليه غلمان أبيه فقتلوه ، و أمروا عليهم جارية أبيه [ شجرة
الدر ] و حلف لها الأتراك و لنائبها عزالدين أيبك التركماني ، فشرعت [ شجرة الدر ]
في الخلع للأمراء و الأعطيات .
ثم استقل عز الدين بالسلطنة في ربيع الآخر ، و لقب [ الملك المعز ] ثم تنصل منها و
حلف العسكر للملك الأشراف بن صلاح الدين يوسف بن مسعود بن الكامل ، و له ثمان سنين
، و بقي عز الدين أتابكه ، و خطب لهما ، و ضربت السكة باسمها .
و في هذه السنة ـ أعني سنة ثمان ـ أستردت دمياط من الفرنج .
و في سنة اثنتين و خمسين و ستمائة ظهرت نار في أرض عدن ، و كان يطير شررها في الليل
إلى البحر ، و يصعد منها دخان عظيم في النهار .
و فيها أبطل المعز اسم الملك الأشرف ، و استقل بالسلطنة .
و في سنة أربع و خمسين ظهرت النار بالمدينة النبوية .
قال أبو شامة : جاءنا كتب من المدينة فيها : لما كانت
ليلة الأربعاء ، ثالث جمادى الآخرة ظهر بالمدينة دوي عظيم ، ثم زلزلة عظيمة ، فكانت
ساعة بعد ساعة إلى خامس الشهر ، فظهرت نار غظيمة في الحرة قريباً من قريظة نبصرها
من دورنا من داخل المدينة كأنها عندنا ، و سالت أودية منها إلى وادي شطا سيل الماء
، و طلعنا نبصرها ، فإذا الجبال ، و طار منها شرر كالقصر إلى أن أبصر ضوؤها من مكة
و من الفلاة جميعها ، و اجتمع الناس كلهم إلى القبر الشريف مستغفرين تائبين ، و
استمرت هكذا أكثر من شهر .
قال الذهبي : أمر هذه النار متواتر ، و هي مما أخبر به
المصطفى صلى الله عليه و سلم ، حيث قال : لا تقوم الساعة حتى
تخرج نار من أرض الحجاز ، تضيء لها أعناق الإبل ببصرى . و قد حكى غير واحد
ممن كان ببصرى في الليل و رأى أعناق الإبل في ضوئها .
و في سنة خمس و خمسين و ستمائة مات المعز أيبك سلطان مصر ، قتلته زوجته [ شجرة الدر
] ، و سلطنوا بعده ولده الملك المنصور على هذا ، و التتار جائلون في البلاد ، و
شرهم متزايد ، و نارهم تستعر ، و الخليفة في غفلة عما يراد بهم ، و الوزير العلقمي
حريص على إزالة الدولة العباسية و نقلها إلى العلوية ، و الرسل في السر بينه و بين
التتار ، و المستعصم تائه في لذاته ، لا يطلع على الأمور ، و لا له غرض في المصلحة
.
و كان أبوه المستنصر قد استكثر من الجند جداً ، و كان مع ذلك يصانع التتار و
يهاودنهم و يرضيهم ، فلما استخلف المستعصم كان خلياً من الرأي و التدبير ، فأشار
عليه الوزير بقطع أكثر الجند ، و أن مصانعة التتار و إكرامهم يحصل به المقصود ،
ففعل ذلك .
ثم إن الوزير كاتب التتار ، و أطمعهم في البلاد ، و سهل عليهم ذلك ، و طلب أن يكون
نائبهم ، فوعدوه بذلك ، و تأهبوا لقصد بغداد .
|
|
|