|
|
الهادي موسى بن
المهدي بن المنصور 169 هـ ـ 170 هـ
الهادي : أبو محمد موسى بن المهدي بن المنصور ، و أمه أم ولد بربرية اسمها الخيزران
، ولد بالري سنة سبع و أربعين و مائة ، و بويع بالخلافة بعد أبيه بعهد منه .
قال الخطيب : و لم يل الخلافة قبله أحد في سنة ، فأقام فيها سنة و أشهراً ، و كان
أبوه أوصاه يقتل الزنادقة ، فجد في أمرهم ، و قتل منهم خلقاً كثيراً ، و كان يسمى
موسى أطبق لأن شفته العليا كانت تقلص ، فكان أبوه وكل به في صغره خادماً كلما رآه
مفتوح الفم قال : موسى أطبق ، فيفيق على نفسه و يضم شفتيه ، فشهر بذلك .
قال الذهبي : و كان يتناول المسكر ، و يلعب ، و يركب
حماراً فارهاً ، و لا يقيم أبهة الخلافة ، و كان مع ذلك فصيحاً ، قادراً على الكلام
، أديباً ، تعلوه هيبة ، و له سطوة و شهامة .
و قال غيره : كان جباراً ، و هو أول من مشت الرجال بين يديه بالسيوف المرهفة ، و
الأعمدة ، و القسي الموترة ، فاتبعه عماله به في ذلك ، و كثر السلاح في عصره .
مات في ربيع الأخر سنة سبعين و مائة ، و اختلف في سبب موته ، فقيل : إنه دفع نديماً
له من جرف على أصول قصب قد قطع ، فتعلق النديم به فوقع ، فدخلت قصبة في منخره ،
فماتا جميعاً . و قيل : أصابته قرحة في جوفه ، و قيل : سمته أمه خيزران لما عزم على
قتل الرشيد ليعهد إلى ولده ، و قيل : كانت أمه حاكمة مستبدة بالأمور الكبار ، و
كانت المواكب تغدو إلى بابها ، فزجرهم عن ذلك ، و كلهما بكلام وقح ، و قال : لئن
وقف ببابك أمير لأضربن عنقه ! أما لك مغزل يشغلك ، أو مصحف يذكرك ، أو سبحة ؟ فقامت
ما تعقل من الغضب ، فقيل : إنه بعث إليها بطعام مسموم ، فأطعمت منه كلباً ، فانتثر
، فعملت على قتله لما وعك بأن غموا وجهه ببساط جلسوا على جوانبه ، و خلف سبعة بنين
.
و من شعر الهادي في أخيه هارون لما امتنع من خلع نفسه :
نصحت لهارون ، فرد نصحتي و كل امرئ لا يقبل النصح نادم
و أدعوه للأمر المؤلف بيننا فيبعد عنه ، و هو في ذاك
ظالم
و لولا انتظاري منه يوماً إلى غد لعاد إلى ما قلته و هو
راغم
و من أخبار الهادي : أخرج الخطيب عن الفضل قال : غضب
الهادي على رجل ، فكلم فيه ، فرضي ، فذهب يعتذر ، فقال له الهادي : إن الرضا قد
كفاك مؤنة الاعتذار .
و أخرج عن عبد الله بن مصعب قال : دخل مروان بن أبي حفصة على الهادي ، فأنشده
مديحاً له ، حتى إذا بلغ قوله :
تشابه يوماً بأسه و نواله فما أحد يدري لأيهما الفضل
فقال له الهادي : أيما أحب إليك ثلاثون ألف معجلة ، أو مائة ألف تدور في الديوان ؟
قال : تعجل الثلاثون ألفاً ، و تدور المائة ألفاً ، قال : بل تعجلان لك جميعاً ،
فحمل له ذلك .
و قال الصولي : لا تعرف امرأة ولدت خليفتين إلا
الخيزران أم الهادي و الرشيد ، و ولادة بنت العباس العبسية زوج عبد الملك بن مروان
ولدت الوليد و سليمان ، و شاهفرند بنت فيروز بن يزدجرد بن كسرى ولدت للوليد بن عبد
الملك يزيد الناقص و إبراهيم ، و وليا الخلافة . قلت : يزاد على ذلك باي خاتون سرية
المتوكل الأخير ولدت العباس و حمزة و وليا لاخلافة و كزل سريته أيضاً ولدت داود و
سليمان و ولياها .
ثم قال الصولي : لا يعرف خليفة ركب البريد إلا الهادي
من جرجان إلى بغداد .
قال : و كان نقش خاتمه [ الله ثقة موسى وبه يؤمن ] .
قال الصولي : و لسلم الخاسر في الهادي بمدحه :
موسى المطر غيث بكر
ثم انهمر ألوى المرر
كم اعتسر و كم قدر
ثم غفر عدل السير
باقي الأثر خير و شر
نفع و ضر خير البشر
فرع مضر بدر بدر
لمن نظر هو الوزر
لمن حضر و المف تخر لمن غبر
قال : و هذا على جزء جزء مستفعلن مستفعلن ، و هو أول من عمله ، و لم نسمع من قبله
شعراً على جزء جزء .
و أسند الصولي عن سعيد بن سلم قال : إني لأرجو أن يغفر
الله للهادي بشيء رأيته منه : حضرته يوماً و أبو الخطاب السعدي ينشده قصيدة في مدحه
إلى أن قال :
يا خير من عقدت كفاه حجزته و خير من قلدته أمرها مضر
فقال له الهادي : إلا من ويلك ؟ قال سعيد : و لم يكن استثنى في شعره ، فقلت : يا
أمير المؤمنين إنما يعني من أهل هذا الزمان ، ففكر الشاعر فقال :
إلا النبي رسول الله ، إن له فضلاً ، و أنت بذالك الفضل
تفتخر
فقال : الآن أصبت و أحسنت ، و أمر له بخمسين ألف درهم .
و قال المدائني : عزى الهادي رجلاً في ابن له فقال :
سرك و هو فتنة و بلية ، و يحزنك و هو ثواب و رحمة .
و قال الصولي : قال سلم الخاسر في الهادي جامعاً بين
العزاء و الهناء :
لقد قام موسى بالخلافة و الهدى و مات أمير المؤمنين محمد
فمات الذي غم البرية فقده و قام الذي يكفيك من يتفقد
و قال مروان بن أبي حفصة كذلك :
لقد أصبحت تختال في كل بلدة بقبر أمير المؤمنين المقابر
و لو لم تسكن بابنه بعد موته لما برحت تبكي عليه المنابر
و لو لم يقم موسى عليها لرجعت حنيناً كم حن الصفايا
العشائر
حديث من رواية الهادي
قال الصولي : حدثني محمد بن زكريا هو الغلابي ، حدثني
محمد بن عبد الرحمن المكي ، حدثنا قسورة بن السكن الفهري ، حدثنا المطلب بن عكاشة
المري ، قال : قدمنا على الهادي شهوداً على رجل شتم قريشاً و تخطى إلى ذكر النبي
صلى الله عليه و سلم ، فجلس لنا مجلساً أحضر فيه فقهاء زمانه ، و أحضر الرجل فشهدنا
عليه ، فتغير وجه الهادي ، ثم نكس رأسه ثم رفعه فقال : سمعت أبي المهدي يحدث عن
أبيه المنصور ، عن أبيه محمد ، عن أبيه علي ، عن أبيه عبد الله بن عباس ، قال : من
أراد هوان قريش أهانه الله ، و أنت يا عدو الله ، لم ترض بأن أردت ذلك من قريش حتى
تخطيت إلى ذكر النبي صلى الله عليه و سلم . اضربوا عنقه . أخرجه
الخطيب من طريق الصولي ، و الحديث هكذا في هذه الرواية
موقوف ، و قد ورد مرفوعاً من وجه آخر .
مات في أيام الهادي من الأعلام : نافع قارئ أهل المدينة ، و غيره .
|
|
|