|
|
الراضي بالله محمد بن
المقتدر بن المعتضد 322هـ ـ 329 هـ
الراضي بالله : أبو العباس محمد بن المقتدر بن المعتضد بن طلحة بن المتوكل .
ولد سنة سبع و تسعين و مائتين ، و أمه أم ولد رومية اسمها ظلوم ، بويع له يوم خلع
القاهر ، فأمر ابن مقلة أن يكتب كتاباً في مثالب القاهر و يقرأ على الناس .
و في هذا العام ـ أي عام اثنتين و عشرين و ثلاثمائة ـ من خلافته مات مرداويج مقدم
الديلم بأصبهان ، و كان قد عظم أمره ، و تحدثوا أنه يريد قصد بغداد ، و أنه مسالم
لصاحب المجوس ، و كان يقول : أنا أرد دولة العجم ، و أمحق دولة العرب .
و فيها بعث علي بن بويه إلى الراضي يقاطعه على البلاد التي استولى عليها بثمان مائة
ألف ألف درهم كل سنة ، فبعثه له لواء و خلعاً ، ثم أخذ ابن بويه يماطل بحمل المال .
و فيها مات المهدي صاحب المغرب ، و كانت أيامه خمساً و عشرين سنة ، و هو جد خلفاء
المصريين الذين يسمونهم الجهلة الفاطميين ، فإن المهدي هذا ادعى أنه علوي ، و إنما
جده مجوسي ، قال القاضي أبو بكر الباقلاني : جد عبيد
الله الملقب بالمهدي مجوسي ، دخل عبيد الله المغرب و ادعى أنه علوي ، و لم يعرفه
أحد من علماء النسب ، و كان باطنياً خبيثاً ، حريصاً على إزالة ملة الإسلام ، أعدم
العلماء و الفقهاء ، ليتمكن من إغواء الخلق ، و جاء أولاده على أسلوبه : أباحوا
الخمور و الفروج ، و أشاعوا الرفض ، و قام بالأمر بعد موت هذا ابنه القائم بأمر
الله أبو القاسم محمد .
و في هذه السنة ظهر محمد بن علي الشمغاني المعروف بابن أبي القراقر ، و قد شاع عنه
يدعي الإلهية ؟ و أنه يحيى الموتى ، فقتل وصلت و قتل معه جماعة من أصحابه .
و فيها توفى أبو بكر جعفر السجزي أحد الحجاب ، قيل : بلغ من العمر مائة و أربعين
سنة و حواسه جيدة .
و فيها انقطع الحج من بغداد إلى سنة سبع و عشرين .
و في سنة ثلاث و عشرين تمكن الراضي بالله و قلد ابنيه أبا الفضل و أنا جعفر المشرق
و المغرب .
و فيها كانت واقعة ابن شنبوذ المشهورة و استتابته عن القراءة بالشاذ و المحضر الذي
كتب عليه ، و ذلك بحضرة الوزير أبي علي بن مقلة . و فيها في جمادى الأولى ريح عظيمة
ببغداد ، و اسودت الدنيا ، و أظلمت من العصر إلى المغرب .
و فيها في ذي القعدة انقضت النجوم سائر الليل انقضاضاً عظيماً ما رثي مثله .
و في سنة أربع و عشرين تغلب محمد بن رائق أمير واسط و نواحيها ، و حكم على البلاد ،
و بطل أمر الوازرة و الدواوين ، و تولى هو الجميع و كتابه ، و صارت الأموال تحمل
إليه ، و بطلت بيوت المال ، و بقي الراضي معه صورة و ليس من الخلافة إلا الاسم .
و في سنة خمس و عشرين اختل الأمر جداً و صارت البلاد بين خارجي قد تغلب عليها ، أو
عامل لا يحمل مالاً ، و صاروا مثل ملوك الطوائف ، و لم يبق بيد الراضي غير بغداد و
السواد مع كون يد ابن رائق عليه ، و لما ضعف أمر الخلافة في هذه الأزمان و وهت
أركان الدولة العباسية ، و تغلبت القراطمة و المبتدعة على الأقاليم ، قويت همة صاحب
الأندلس الأمير عبد الرحمن بن محمد الأموي المرواني و قال : أنا أولى الناس
بالخلافة ، و تسمى بأمير المؤمنين الناصر لدين اله ، و استولى على أكثر الأندلس ، و
كانت له الهيبة الزائدة و الجهاد و الغزو و السيرة المحمودة ، استأصل المتغلبين ، و
فتح سبعين حصناً ، فصار المسمون بأمير المؤمنين في الدنيا ثلاثة : العباسي ببغداد ،
و هذا بالأندلس و المهدي بالقيروان .
و في سنة ست و عشرين خرج بحكم على ابن رائق ، فظهر عليه ، و اختفى ابن رائق ، فدخل
بحكم بغداد ، فأكرمه الراضي ، و رفع منزلته ، و لقبه أمير الأمراء ، و قلده إمارة
بغداد و خراسان .
و في سنة سبع و عشرين كتب أبو علي عمر بن يحيى العلوي إلى القرمطي ، و كان يحبه ،
أن يطلق طريق الحاج و يعطيه عن كل جمل خمسة دنانير ، فأذن و حج الناس ، و هي أول
سنة أخذ فيها المكس من الحجاج .
و في سنة ثمان و عشرين بغداد غرقاً عظيماً حتى بلغت زيادة الماء تسعة عشر ذراعاً ،
و غرق الناس و البهائم ، و انهدمت الدور .
و في سنة تسع اعتل الراضي ، و مات في شهر ربيع الآخر ، و له إحدى و ثلاثون سنة و
نصف ، و كان سمحاً ، كريماً ، أديباً شاعراً ، فصيحاً ، محباً للعلماء ، و له شعر
مدون ، و سمع الحديث من البغوي و غيره .
قال الخطيب : للراضي فضائل : منها آخر خليفة له شعر
مدون ، و آخر خليفة خطب يوم الجمعة ، و آخر خليفة جالس الندماء ، و كانت جوائزه و
أموره على ترتيب المتقدمين ، و آخر خليفة سافر بزي القدماء ، و من شعره :
كل صفو إلى كدر كل أمر إلى حذر
و مصير الشباب للـ ـموت فيه أو الكدر
در در المشيب من واعظ ينذر البشر
أيها الآمل الذي تاه في لجه الغرر
أين من كان قبلنا ؟ ذهب الشخص و الأثر
رب فاغفر خطيئتي أنت يا خير من غفر
ذكر أبو الحسن بن زرقويه عن إسماعيل الخطبي قال : وجه إلي الراضي ليلة الفطر ، فجئت
إليه فقال : يا إسماعيل قد عزمت في غد على الصلاة بالناس ، فما الذي أقول إذا
انتهيت إلى لنفسي ؟ فأطرقت ساعة ثم قلت : قل يا أمير المؤمنين
رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي الآية فقال لي : حسبك ثم
تبعني خادم فأعطاني أربعمائة دينار .
مات في أيامه من الأعلام : نفطويه ، و ابن مجاهد المقرئ ، و ابن كاس الحنفي ، و ابن
أبي حاتم ، و مبرمان ، و ابن عبد ربه صاحب العقد ، و الإصطخري شيخ الشافعية ، و ابن
شنبوذ ، و أبو بكر الأنباري . |
|
|