|
|
المطيع لله الفضل بن
المقتدر بن المعتضد 334 هـ ـ 363 هـ
المطيع لله : أبو القاسم الفضل بن المقتدر بن المعتضد ، أمه أم ولد اسمها شغلة .
ولد سنة إحدى و ثلاثمائة ، و بويع له بالخلافة ، عند خلع المستكفي في جمادى الآخرة
سنة أربع و ثلاثين و ثلاثمائة ، و قرر له معز الدولة كل يوم نفقة مائة دينار فقط .
و في هذه السنة من خلافته اشتد الغلاء ببغداد حتى أكلوا الجيف ، و الروث ، و ماتوا
على الطرق ، و أكلت الكلاب لحومهم ، و بيع العقار بالرغفان ، و وجدت الصغار مشوية
مع المساكين ، و اشترى لمعز الدولة كر دقيق بعشرين ألف درهم ، و الكر سبعة عشر
قنطاراً بالدمشقي .
و فيها وقع بين معز الدولة و بين ناصر الدولة بن حمدان ، فخرج لقتاله و معه المطيع
، ثم رجع و المطيع معه كالأسير .
و فيها مات الأخشيد صاحب مصر و هو محمد بن طغج الفرغاني ، و الأخشيد ملك الملوك ، و
هو لقب لكل من ملك فرغانة ، كما أن الأصبهذ لقب ملك طبرستان ، وصول ملك جرجان ، و
خاقان ملك الترك ، و الأفشين ملك أشروسنة ، و سليمان ملك سمرقند ، و كان الأخشيد
شجاعاً مهيباً ، ولي مصر من قبل القاهر ، و كان له ثمانية آلاف مملوك و هو أستاذ
كافور .
و فيها مات القائم العبيدي صاحب المغرب ، و قام بعده ولي عهد ابنه المنصور إسماعيل
، و كان القائم شراً من أبيه ، زنديقاً ملعوناً ، أظهر سب الأنباء ، و كان مناديه
ينادي : العنوا الغار و ما حوى ، قتل خلقاً من العلماء .
و في سنة خمس و ثلاثين جدد معز الدولة الأيمان بينه و بين المطيع ، و أزال عنه
التوكيل ، و أعاده إلى دار الخلافة .
و في سنة ثمان و ثلاثين سأل معز الدولة أن يشرك معه في الأمر أخاه علي بن بويه عماد
الدولة ، و يكون من بعده ، فأجابه المطيع ، ثم لم ينشب أن مات عماد الدولة من عامه
، فأقام المطيع أخاه ركن الدولة والد عضد الدولة .
و في سنة تسع ثلاثين أعيد الحجر الأسود إلى موضعه ، و جعل له طوق فضة يشد به ، وزنه
ثلاثة آلاف و سبعمائة و سبعة و ستون درهماً و نصف .
و قال محمد بن نافع الخزاعي : تأملت الحجر الأسود ـ و
هو مقلوع ـ فإذا السواد في رأسه فقط ، و سائره أبيض ، و طوله قدر عظم الذراع .
و في سنة سنة إحدى و أربعين ظهر قوم من التناسخية فيهم شاب يزعم أن روح علي انتقلت
إليه ، و امرأته تزعم أن روح فاطمة انتقلت إليها ، و آخر يدعي أنه جبريل ، فضربوا ،
فتعززوا يالانتماء إلى أهل البيت ، فأمر معز الدولة بإطلاقهم لميله إلى أهل البيت
فكان هذا من أفعاله الملعونة .
و فيها مات المنصور العبيدي صاحب المغرب بالمنصورية التي مصرها ، و قام بالأمر ولي
عهد ابنه معد ، و لقب بالمعز لدين الله ـ و هو الذي بنى القاهرة ـ و كان المنصور
حسن السيرة بعد أبيه ، و أبطل المظالم ، فأحبه الناس ، و أحسن أيضاً ابنه السيرة
وصفت له المغرب .
و في سنة ثلاث و أربعين خطب صاحب خراسان للمطيع ، و لم يكن خطب له قبل ذلك ، فبعث
إليه المطيع اللواء و الخلع .
و في سنة أربع و أربعين زلزلت مصر زلزلة صعبة هدمت البيوت و دامت ثلاث ساعات ، و
فزع الناس إلى الله بالدعاء .
و في سنة ست و أربعين نقص البحر ثمانين ذراعاً ، و ظهر فيه جبال و جزائر و أشياء لم
تعهد ، و كان بالري و نواحيها زلازل عظيمة ، و خسف ببلد الطالقان ، و لم يفلت من
أهلها إلا نحو ثلاثين رجلاً ، و خسف بمائة و خمسين قرية من قرى الري ، و اتصل الأمر
إلى حلوان فخسف بأكثرها ، و قذفت الأرض عظام الموتى ، و تفجرت منها المياه ، و تقطع
بالري جبل و علقت قرية بين السماء و الأرض بمن فيها نصف النهار ثم خسف بها و انخرقت
الأرض خروقاً عظيمة ، و خرج منها مياه منتنة ، و دخان عظيم ، هكذا نقل ابن الجوزي .
و في سنة سبع و أربعين عادت الزلازل بقم ، و حلوان ، و الجبال ، فأتلف خلقاً عظيماً
، و جاء جراد طبق الدنيا ، فأتى على جميع الغلات و الاشجار .
و في سنة خمسين بنى معز الدولة ببغداد داراً هائلة عظيمة أساسها في الأرض ستة و
ثلاثون ذراعاً .
و فيها قلد القضاء أبا العباس عبد الله بن الحسن بن أبي الشوارب ، و ركب بالخلع من
دار المعز الدولة و بين يديه الدبادب ، و البوقات ، و في خدمته الجيش ، و شرط على
نفسه أن يحمل في كل سنة إلى خزانة معز الدولة مائتي ألف درهم ، و كطتب عليه بذلك
سجلاً ، و امتنع المطيع من تقلده و من دخوله عليه ، و أمر أن لا يمكن من الدخول
إليه أبداً .
و فيها وضمن معز الدولة الحسبة ببغداد و الشرطة ، و كل ذلك عقب ضعفه ضعفها و عوفي
منها فلا كان الله عافاه .
و فيها أخذت الروم جزيرة أقريطش من المسلمين ، و كانت فتحت في حدود الثلاثين و
المائتين .
و فيها توفى صاحب الأندلس الناصر لدين الله ، و قام بعده ابنه الحاكم .
و في سنة إحدى و خمسين كتبت الشيعة ببغداد على أبواب المساجد لعنه معاوية ، و لعنه
من غضب فاطمة حقها من فدك ، و من منع الحسن أن يدفن مع جده ، و لعنة من نفى أبا ذر
، ثم إن ذلك محي في الليل ، فأراد معز الدولة أن يعيده فأشار عليه المهلبي أن يكتب
مكان ما محي [ لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه و سلم ] و صرحوا
بلعنه معاوية فقط .
و في سنة اثنتين و خمسين يوم عاشوراء ألزم معز الدولة الناس بغلق الأسواق و منع
الطباخين من الطبيخ ، و نصبوا القباب في الأسواق ، و علقوا عليها المسوح ، و أخرجوا
نساء منتشرات الشعور يلطمن في الشوارع يقمن المأتم على الحسين ، و هذا أول يوم نيح
عليه في بغداد ، و استمرت هذه البدعة سنين .
و في ثاني عشر ذي الحجة منها عمل عيد غدير خم ، و ضربت الدبادب .
و في هذه السنة بعث بعض بطارقة الأرمن إلى ناصر الدولة بن حمدان رجلين ملتصقين
عمرها خمس و عشرون سنة ، و الالتصاق في الجنب ، و لهما بطنان و سرتان و معدتان و
يختلف أوقات جوعها و عطشها و بولهما ، و لكل واحد كفان ، و ذراعان و يدان ، و فخذان
، و ساقان ، و إحليلان ، و كان أحدهما يميل إلى النساء و الآخر يميل إلى المرد ، و
مات أحدهما ، و بقي أياماً و أخوه حي فأتين ، و جمع ناصر الدولة الأطباء على أن
يقدروا على فضل الميت من الحي ، قلم يقدروا ، ثم مرض الحي من رائحة الميت و مات .
و في سنة ثلاث و خمسين عمل لسيف الدولة خيمة عظيمة ارتفاع عمودها خمسون ذراعاً .
و في سنة أربع و خمسين ماتت أخت معز الدولة ، فنزل المطيع في طيارة إلى دار معز
الدولة يعزيه ، فخرج إليه معز الدولة ، و لم يكلفه الصعود من الطيارة ، و قبل الأرض
مرات ، و رجع الخليفة إلى داره .
و فيها بنى يعقوب ملك الروم قيسارته قريباً من بلاد المسلمين ، و سكنها ليغير كل
وقت .
و في سنة ست و خمسين مات معز الدولة ، فأقيم ابنه بختيار مكانه في السلطنة و لقبه
المطيع [ عز الدولة ]
و في سنة سبع ملك القرامطة دمشق ، و لم يحج فيها لا من الشام و لا من مصر ، و عزموا
على قصد مصر ليملكوها ، فجاء العبيديون فأخذوها ، و قامت دولة الرفض في الأقاليم :
المغرب ، و مصر ، و العراق ، و ذلك أن كافوراً الأخشيدي صاحب مصر لما مات اختل
النظام و قلت الأموال على الجند ، فكتب جماعة إلى المعز يطلبون منه عسكراً ليسلموا
إليه مصر ، فأرسل مولاه جوهراً القائد في مائة ألف فارس ، فملكها و نزل موضع
القاهرة اليوم و اختلطها ، و بنى دار الإمارة للمعز ، و هي المعروفة الآن بالقصرين
، و قطع خطبة بني العباس ، و لبس السواد ، و ألبس الخطباء البياض ، فأمر أن يقال في
الخطبة : اللهم صلي على محمد المصطفى ، و على علي المرتضى ، و على فاطمة البتول ، و
على الحسن و الحسين سبطي الرسول ، و صل على الأئمة آباء أمير المؤمنين المعز بالله
، و ذلك كله في شهر شعبان سنة ثمان و خمسين .
ثم في ربيع الآخر سنة تسع و خمسين أذنوا في مصر بحي على خير العمل ، و شرعوا في
بناء الجامع الأزهر ، ففرغ في رمضان سنة إحدى و ستين .
و في سنة تسع و خمسين انقض بالعراق كوكب عظيم أضاءت منه الدنيا حتى صار كأنه شعاع
الشمس ، و سمع بعد انقضائه كالرعد الشديد .
و في سنة ستين أعلن المؤذن بدمشق في الآذن بحي على خير العمل ، و بأمر جعفر ابن
فلاح نائب دمشق للمعز بالله ، و لم يجسر أحد على مخالفته .
و في سنة اثنتين و ستين صادر السلطان بختيار المطيع ، فقال المطيع : أنا ليس لي غير
الخطبة ، فإن أحببتم اعتزلت ، فشدد علبيه حتى باع قماشه ، و حمل أربعمائة ألف درهم
، و شاع في الألسنة أن الخليفة صودر .
و فيها قتل رجل من اعوان الموالي ببغداد ، فبعث الوزير أبو الفضل الشيرازي من طرح
النار من النحاسين إلى السماكين ، فاحترق حريم عظيم لم ير مثله ، و احترقت أموال و
أناس كثيرون في الدور و الحمامات ، و هلك الوزير من عامه ، و لا رحمة لله .
و في رمضان من هذه السنة دخل المعز إلى مصر و معه توابيت آبائه .
و في سنة ثلاث و ستين قلد المطيع القضاء أبا الحسن محمد بن أم شيبان الهاشمي بعد
تمنع ، و شرط لنفسه شروطاً ، ومنها : أن لا يرتزق على القضاء ، و لا يخلع عليه ، و
لا يشفع إليه فيما يخالف الشرع ، و قرر لكاتبه في كل شهر ثلاثمائة درهم ، و لحاجبه
مائة و خمسين ، و للفارض على بابه مائة ، وللخازن ديوان الحكم و الأعوان ستمائة ، و
كتب له عهد صورته :
هذا ما عهد به عبد الله الفضل المطيع لله أمير المؤمنين إلى محمد صالح الهاشمي حين
دعاه إلى ما يتولاه من القضاء بين أهل مدينة السلام مدينة المنصور ، و المدينة
الشرقية من الجانب الشرقي ، و الجانب الغربي ، و الكوفة ، و سقي الفرات ، و واسط ،
و كرخي ، و طريق الفرات ، و دجلة ، و طريق خراسان ، و حلوان ، و قرميسين ، و ديار
مضر ، و ديار ربيعة ، و ديار بكر ، و الموصل ، و الحرمين ، و اليمن ، و دمشق ، و
حمص ، و جند قنسرين ، و العواصم ، و مصر ، و الإسكندرية ، و جند فلسطين ، و الأردن
، و أعمال ذلك كلها ، و من يجري من ذلك من الأشراف على من يختاره من العباسيين
بالكوفة ، و سقي الفرات ، و أعمال ذلك ، و ما قلده إياه من قضاء القضاة ، و تصضفح
أحوال الحكام ، و الاستشراف على ما يجري عليه أمر الأحكام من سائر الناحي و الأمصار
التي تشمل عليه المملكة ، و تنتهي إليها الدعوة ، و إقرار من يحمد هديه و طريقه ، و
الاستبدال بمن شيمته و سجيته ، احتياطاً للخاصة و العامة ، و جنوا على الملة و
الذمة ، و عن علم بأنه المقدم في بيته و شرفه ، المبرز في عفافته ، الزكي في دينه و
أمانته ، الموصوف في ورعه و نزاعته ، المشار إليه بالعلم و الحجى ، المجمع عليه في
الحلم و النهى ، البعيد من الأنادس ، اللابس من التقى أجمل اللباس ، النقي الجيب ،
المحبو بصفاء الغيب ، العالم بمصالح الدنيا ، العارف بما يفسد سلامة العقبى ، أمره
بتقوى الله فإنها الجنة الواقية ، و ليجعل كتاب الله في كل ما يعمل في رويته ، و
يرتب عليه حكمه و قضيته ، إمامه الذي يفزع إليه ، و أن يتخذ سنة رسول الله صلى الله
عليه و سلم مناراً يقصده و مثالاً يتبعه ، و أن يراعي الإجماع ، و أن يقتدي بالأئمة
الراشدين ، و أن يعمل اجتهاده فيما لا يوجد في كتاب و لا سنة و لا إجماع ، و إن
يحضر مجلسه من يستظهر بعلمه و رأيه ، و أن يسوي بين الخصمين إذا تقدما إليه في لحظه
و لفظه ، و يوفي كلا منها من إنصافه و عدله ، حتى يأمن الضعيف حيفه ، و ييأس القوي
من ميله ، و أمره أن يشرف على أعةانه و أصحابه ، من يعتمد عليه من أمنائه و أسبابه
، إشرافاً يمنع من التخطي إلى السيرة المحظورة ، و يدفع عن الإسفاف إلى المكاسب
المحجورة .
و ذكر هذا الجنس كلاماً طويلاً .
قلت كان الخلفاء يولون القاضي المقيم ييلدهم القضاء بجميع الأقاليم و البلاد التي
تحت ملكهم ، ثم يستنيب القاضي من تحت أمره من يشاء في كل إقليم و في كل بلد و لهذا
كان يلقب قاضي القضاة ، و لا يلقب به إلا من هو بهذه الصفة ، و من عداه بالقاضي فقط
أو قاضي بلد كذا ، و أما الآن فصار في البلد الواحد أربعة مشتركون ، كل منهم بلقب
قاضي القضاة ، و لعل آحاد نواب أولئك كان في حكمه أضعاف ما كان في حكم الواحد من
قضاة القضاة الآن ، و لقد كان قاضي القضاة إذ ذاك أوسع حكماً من سلاطين هذا الزمان
.
و في هذه السنة ـ أعني سنة ثلاث و ستين ـ حصل للمطيع فالج ، و ثقل لسانه ، فدعاه
حاجب عز الدولة الحاجب سبكتكين إلى خلع نفسه ، و تسليم الأمر إلى ولده الطائع لله ،
ففعل ، و عقد له الأمر في يوم الأربعاء ثالث عشري ذي القعدة ، فكانت مدة خلافه
المطيع تسعاً و عشرين سنة و أشهراً ، و أثبت خلعه على القاضي ابن أم شيان ، و صار
بعد خلعه يسمي الشيخ الفاضل .
قال الذهبي : و كان المطيع و ابنه مستضعفين مع بني
بويه ، و لم يزل أمر الخلفاء في ضعف إلى أن استخلف المقتفي لله ، فانصلح أمر
الخلافة قليلاً ، و كان دست الخلافة لبني عبيد الرافضة بمصر أميز ، و كلمتهم أنفذ ،
و مملكتهم تناطح مملكة العباسيين في وقتهم ، و خرج المطيع إلى واسط مع ولده ، فمات
في المحرم سنة أربع و ستين .
قال ابن شاهين : خلع نفسه غير مكره فيما صح عندي .
قال الخطيب : حدثني محمد بن يوسف القطان ، سمعت أبا
الفضل التميمي ، سمعت المطيع لله ، سمعت شيخي ابن منيع ، سمعت
أحمد ين حنبل يقول إذا مات أصدقاء رجل ذل .
و ممن مات في أيام المطيع من الأعلام : الخرقي شيخ الحنابلة ، و أبو بكر الشبلي
الصوفي ، و ابن القاص إمام الشافعية ، و أبو رجاء الأسواني ، و أبو بكر الصولي ، و
الهيثم بن كليب الشاشي ، و أبو الطيب الصعلوكي ، و أبو جعفر النحاس النحوي ، و أبو
نصر الفارابي ، و أبو إسحاق المروزي إمام الشافعية ، و أبو القاسم الزجاجي النحوي ،
و الكرخي شيخ الحنفية ، و الدينوري صاحب المجالسة ، و أبو بكر الضبعي ، و القاضي
أبو القاسم التنوخي ، و ابن الحداد صاحب [ الفروع ] ، و أبو علي بن أبي هريرة من
كبار الشافعية ، و أبو عمر الزاهد ، و المسعودي صاحب [ مروج الذهب ] ، و ابن
درستويه ، و أبو علي الطبري أول من جرد الخلاف ، و الفاكهي صاحب [ تاريخ مكة ] ، و
المتنبي الشاعر ، و ابن حبان صاحب [ الصحيح ] ، و ابن شعبان من أئمة المالكية ، و
أبو علي القالي ، و أبو الفرج صاحب [ الأغاني ] .
|
|
|