|
|
الطائع بالله عبد
الكريم بن المطيع بن المقتدر 363 هـ ـ 393 هـ
الطائع بالله : أبو بكر بن المطيع ، أمه أم ولد اسمها هزار ، نزل له أبوه عن
الخلافة و عمره ثلاث و أربعون سنة ، فركب و عليه البردة و معه الجيش و بين يديه
سبكتكين ، و خلع من الغد على سبكتكين خلع السلطنة ، و عقد له اللواء ، و لقبه [ نصر
الدولة ] ثم وقع بين عز الدولة و سبكتكين الأتراك لنفسه فأجابوه ، و جرى بينه و بين
عز الدولة حروب . و في ذي الحجة من هذه السنة ـ أي سنة ثلاث و ستين و ثلاثمائة ـ
أقيمت الخطبة و الدعوة بالحرمين للمعز العبيدي . و في سنة أربع و ستين قدم عضد
الدولة بغداد لنصرة عز الدولة على سبكتكين ، فأعجبته بغداد و ملكها ، فعمل عليها و
استمال الجند ، فشغبوا على عز الدولة ، فأغلق بابه ، و كتب عضد الدولة ، عن الطائع
إلى الآفاق باستقرار الأمر لعضد الدولة ، فوقع بين الطائع و بين عضد الدولة فقطعت
الخطبة للطائع بسبب ذلك ببغداد و غيرها من يوم العشرين من جمادى الأولى إلى أن
أعيدت في عاشر رجب .
و في هذه السنة و بعدها غلا الرفض و فار بمصر ، و الشام ، و المشرق ، و المغرب ، و
نودي بقطع صلاة التراويح من جهة العبيدي .
و في سنة خمس و ستين نزل ركن الدولة بن بويه عما بيده من الممالك لأولاده ، فجعل
لعضد الدولة فارس و كرمان ، و لمؤيد الدولة الري و أصبهان ، و لفخر الدولة همذان و
الدينور .
و في رجب منها عمل مجلس الحكم دار السلطان عز الدولة و جلس قاضي القضاة ابن معروف و
حكم ، لأن عز الدولة التمس ذلك ليشاهد مجلس حكمه كيف هو .
و فيها كانت وقعة بين عز الدولة و عضد الدولة ، و أسر فيها غلام تركي لعز الدولة ،
فجن عليه ، و اشتد حزنه ، و امتنع من الأكل ، و أخذ في البكاء ، و احتجب عن الناس ،
و حرم على نفسه الجلوس في الدست ، و كتب إلى عضد الدولة يسأله أن يرد الغلام إليه ،
و يتذلل ، فصار ضحكة بين الناس ، و عوتب فما ارعوى لذلك ، و بذل في فداء الغلام
جاريتين عوديتين كان قد بذل له في الواحدة مائة ألف دينار ، و قال للرسول إن توقف
عليك في رده فزد ما رأيت ، و لا تفكر ، فقد رضيت أن آخذه و أذهب إلى أقصى الأرض
فرده عضد الدولة عليه .
و فيها أسقط الخطبة من الكوفة لعز الدولة ، و أقيمت لعضد الدولة .
و فيها مات المعز لدين الله العبيدي صاحب مصر ، ، و أول من ملكها من العبيدين ، و
قام بالأمر بعده ابنه نزار ، و لقب [ العزيز ] .
و في سنة ست و ستين مات المنتصر بالله الحكم بن الناصر لدين الله الأموي صاحب
الأندلس ، و قام بعده ابنه المؤيد بالله هشام .
و في سنة سبع و ستين التقى عز الدولة و عضد الدولة ، فظفر عضد الدولة ، و أخذ عز
الدولة أسيراً ، و قتله بعد ذلك و خلع الطائع على عضد الدولة خلع السلطنة و توجه
بتاج مجوهر ، و طوقه ، و سوره ، و قلده سيفاً ، و عقد له لواءين بيده : أحدهما مفضض
على رسم الأمراء ، و الآخر مذهب على رسم ولاة العهد ، و لم يعقد اللواء الثاني
لغيره قبله ، و كتب له عهداً ، و قرئ بحضرته ، و لم يبق أحد إلا تعجب ، و لم تجر
العادة بذلك ، و إنما كان يدفع العهد إلى الولاة بحضرة أمير المؤمنين ، فإذا أخذه
قال أمير المؤمنين : هذا عهدي إليك فاعمل به .
و في سنة ثمان و ستين أمر الطائع بأن تضرب الدبادب على باب عضد الدولة في وقت الصبح
و المغرب و العشاء ، و أن يخطب له على منابر الحضرة .
قال ابن الجوزي : و هذان أمران لم يكونا من قبله ، و
لا أطلقا لولاة العهود ، و قد كان معز الدولة أحب أن تضرب له الدبادب بمدينة السلام
، فسأل المطيع في ذلك ، فلم يأذن له ، و ما حظي عضد الدولة بذلك إلا لضعف أمر
الخلافة .
و في سنة تسع و ستين ورد رسول العزيز صاحب مصر إلى بغداد ، و سأل عضد الدولة الطائع
أن يزيد في ألقابه [ تاج الملة ] ، و يجدد الخلع عليه و يلبسه التاج ، فأجابه . و
جلس الطائع على السرير و حوله مائة بالسيوف و الزينة ، و بين يديه مصحف عثمان ، و
على كتفه البردة ، و بيده القضيب ، و هو متقلد بسيف رسول الله صلى الله عليه و سلم
، و ضربت ستارة بعثها عضد الدولة ، و سأل أن يكون حجاباً للطائع حتى لا يقع عليه
الأشراف ، و أصحاب المراتب من الجانبين ، ثم أذن لعضد الدولة فدخل ، ثم رفعت
الستارة و قبل عضد الدولة الأرض ، فارتاع زياد القائد لذلك ، و قال لعضد الدولة :
ما هذا أيها الملك ؟ أهذا هو الله ؟ فالتفت إليه و قال : هذا خليفة الله في الأرض
ثم استمر يمشي و يقبل الأرض سبع مرات ، فالتفت الطائع إلى خالص الخادم ، و قال :
استدنه فصعد عضد الدولة ، فقبل الأرض مرتين ، فقال له ادن إلي ، فدنا ، و قبل رجله
، و ثنى الطائع يمينه عليه و آمره ، فجلس على الكرسي بعد أن كرر عليه : اجلس : و هو
يستعفي ، فقال له : أقسمت عليك لتجلسن ، فقبل الكرسي و جلس ، فقال له الطائع : قد
رأيت أن أفوض إليك ما وكل الله إلي من أمور الرعية في شرق الأرض و غربها ، و
تدبيرها في جميع جهاتها سوى خاصتي و أسبابي ، فتول ذلك ، فقال : يعينني الله على
طاعة مولانا أمير المؤمنين و خدمته ، ثم أفاض عليه الخلع و انصرف .
قلت : انظر إلى هذا الأمر ، و هو الخليفة المستضعف الذي لم تضعف الخلافة في زمن أحد
ما ضعفت في زمنه ، و لا قوي أمر سلطان ما قوي أمر عضد الدولة . و قد صار الأمر في
زماننا إلى أن الخليفة يأتي السلطان يهنئه برأس الشهر ، فأكثر ما يقع من السلطان في
حقه أن ينزل عن مرتبته ، و يجلسا معاً خارج المرتبة ، ثم يقوم الخليفة يذهب كأحد
الناس ، و يجلس السلطان في دست مملكته .
و لقد حدثت أن السلطان الأشرف برسباي لما سافر إلى آمد لقتال العدو و صحب الخليفة
معه كان الخليفة راكباً أمامه يحجبه و الهيبة و العظمة للسلطان ، و الخليفة كآحاد
الأمراء الذين في خدمة السلطان .
و في سنة سبعين خرج من همذان عضد الدولة ، و قدم بغداد ، فتلقاه الطائع ، و لم تجر
عادة بخروج الخلفاء لتلقي أحد .
فلما توفيت بنت معز الدولة ركب المطيع إليه ، فعزاه ، فقبل الأرض ، و جاء رسول عضد
الدولة يطلب من الطائع أن يتلقاه ، فلما وسعه التأخر .
و في سنة اثنتين و سبعين مات عضد الدولة ، فولى الطائع مكانه في السلطنة ابنه صمصام
الدولة ، و لقبه [ شمس الملة ] ، و خلع عليه سبع خلع ، و توجه ، و عقد له لواءين .
ثم في سنة ثلاث و سبعين مات مؤيد الدولة أخو عضد الدولة .
و في سنة خمس و سبعين هم صمصام الدولة أن يجعل المكس على ثياب الحرير و القطن مما
ينسج ببغداد و نواحيها ، و وقع له في ضمان ذلك ألف ألف درهم في السنة ، فاجتمع
الناس في جامع المنصور ، و عزموا على منع صلاة الجمعة ، و كاد البلد يفتتن فأعفاهم
من ضمان ذلك .
و في سنة ست و سبعين قصد شرف الدولة أخاه صمصام الدولة ، فانتصر عليه و كحله ، و
مال العسكر إلى شرف الدولة ، و قدم بغداد ، و ركب الطائع إليه يهنئه بالبلاد ، و
عهد إليه بالسلطنة ، و توجه ، و قرئ عهده و الطائع يسمع .
و في سنة ثمان و سبعين أمر شرف الدولة برصد الكواكب السبعة في سيرها كما فعل
المأمون .
و فيها اشتد الغلاء ببغداد جداً ، و ظهر الموت بها ، و لحق الناس بالبصرة حر و سموم
تساقط منه .
و جاءت ريح عظيمة بفم الصلح حرقت الدجلة ، حتى ذكر أنه بانت أرضها ، و أغرقت كثيراً
من السفن ، و احتملت زورقاً منحدراً و فيه دواب ، فطرحت ذلك في أرض جوخى فشوهد بعد
أيام .
و في سنة تسع و سبعين مات شرف الدولة ، و عهد إلى أخيه أبي نصر ، فجاءه الطائع و
حضر الأعيان ، فخلع الطائع على أبي نصر سبع خلع أعلاها سوداء ، و عمامة سوداء ، و
في عنقه طوق كبير ، و في يده سواران ، و مشى الحجاب بين يديه بالسيوف ، ثم قبل
الأرض بين يدي الطائع ، و على كرسي ، و قرىء عهده ، و لقبه الطائع [بهاء الدولة ، و
ضياء الملة ] .
و في سنة إحدى و ثمانين قبض على الطائع ، و سببه : أنه حبس رجلاً من خواص بهاء
الدولة ، فجاء بهاء الدولة و قد جلس الطائع في الرواق متقلداً سيفاً ، فلما قرب
بهاء الدولة قبل الأرض و جلس على كرسي ، و تقدم أصحاب بهاء الدولة ، فجذبوا الطائع
من سريره ، و تكاثر الديلم ، فلفوه في كساء و أصعد إلى دار السلطنة ، و ارتج البلد
، و رجع بهاء الدولة ، و كتب على الطائع أيماناً بخلع نفسه ، و أنه سلم الأمر إلى
القادر بالله ، و شهد عليه الأكابر و الأشراف ، و ذلك في تاسع عشر شهر شعبان ، و
نفذ إلى القادر ليحضر و هو بالبطيحة .
و استمر الطائع في دار القادر بالله مكرماً محترماً في أحسن حال ، حتى إنه حمل إليه
شمعة قد أوقد نصفها ، فأنكر ذلك ، فحملوا إليه غيرها إلى أن مات ليلة عيد الفطر سنة
ثلاث و تسعين .
و صلى عليه عبد القادر بالله في داره و شيعه الأكابر و الخدم ، و رثاه الشريف الرضي
بقصيدة .
و كان شديد الانحراف على آل أبي طالب ، و سقطت الهيبة في أيامه جداً حتى هجاه
الشعراء .
مات في أيام الطائع من الأعلام : ابن السني الحافظ ، و ابن عدي ، و القفال الكبير ،
و السيرافي النحوي ، و أبو سهل الصعلوكي ، و أبو بكر الرازي الحنفي ، و ابن خالويه
، و الأزهري إمام اللغة ، و أبوا إبراهيم الفارابي صاحب ديوان الأدب ، و الرفاء
الشاعر ، و أبوا زيد المرزوي الشافعي ، و الداركي ، و أبو علي الأبهري شيخ المالكية
، و أبو الليث السمرقندي إمام الحنفية ، و أبو علي الفارسي النحوي ، و ابن الجلاب
المالكي . |
|
|