|
|
القادر بالله
أحمد بن إسحاق بن المقتدر 393 هـ ـ 422 هـ
القادر بالله : أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر .
ولد سنة ست و ثلاثين و ثلاثمائة ، و أمه أمة و اسمها تمنى ، و قيل دمنة .
بويع له بالخلافة بعد خلع الطائع ، و كان غائباً ، فقدم في عاشر رمضان ، و جلس من
الغد جلوساً عاماً ، و هنىء .
و أنشد بين يديه الشعراء ، من ذلك قول الشريف الرضي :
شرف الخلافة يا بني العباس اليوم جدده أبو العباس
ذا الطود أبقاه الزمان ذخيرة من ذلك الجبل العظيم الراسي
قال الخطيب : و كان القادر من الستر و الديانة و
السيادة و إدامة التهجد بالليل و كثرة البر و الصدقات و حسن الطريقة على صفة اشتهرت
عنه و عرف بها كل أحد ، مع حسن المذهب و صحة الاعتقاد تفقه على العلامة أبي بشر
الهروي الشافعي ، و قد صنف كتاباً في الأصول ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب مذهب
أصحاب الحديث ، و أورد في كتاب فضائل عمر بن عبد العزيز و إكفار المعتزلة و
القائلين بخلق القرآن ، و كان ذلك الكتاب يقرأ في كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث
بجامع المهدي ، و بحضرة الناس ، ترجمه ابن الصلاح في طبقات
الشافعية .
و قال الذهبي : في شوال من سنة ولايته عقد مجلس عظيم ،
و حلف القادر و بهاء الدولة كل منهما لصاحبه بالوفاء ، و قلده القادر ما وراء بابه
مما تقام فيه الدعوة .
و فيها دعا صاحب مكة أبو الفتوح الحسن بن جعفر العلوي إلى نفسه ، و تلقب بالراشد
بالله ، و سلم عليه بالخلافة ، فانزعج صاحب مصر ، ثم ضعف أمر أبي الفتوح و عاد إلى
طاعة العزيز العبيدي .
و في سنة اثنتين و ثمانين ابتاع الوزير أبو نصر سابور أزدشير داراً بالكرخ و عمرها
و سماها دار العلم ، و وقفها على العلماء ، و وقف بها كتباً كثيرة .
و في سنة أربع و ثمانين عاد الحاج العراقي من الطريق ، اعترضهم الأصيفر الأعرابي ،
و منعهم الجواز إلا برسمه ، فعادوا و لم يحجوا ، و لا حج أيضاً أهل الشام و لا
اليمن ، إنما حج أهل مصر .
و في سنة سبع و ثمانين مات السلطان فخر الدولة ، و أقيم ابنه رستم مقامه في السلطنة
بالري و أعمالها ، و هو ابن أربع سنين ، و لقبه القادر [ مجد الدولة ] .
قال الذهبي : و من الأعجوبات هلاك تسعة ملوك على نسق
في سنتي سبع و ثمانين و ثمان و ثمانين : منصور بن نوح ملك ما وراء النهر ، و فخر
الدولة ملك الري و الجبال ، و العزيز العبيدي صاحب مصر ، و فيهم يقول أبو منصور عبد
الملك الثعالبي :
ألم تر مذ عامين أملاك عصرنا يصيح بهم للموت و القتل
صائح
فنوح بن منصور طوته يد الردى على حسرات ضمنتها الجوانح
و يا بؤس منصور ففي يوم سرخس تمزق عنه ملكه و هو طائح
و فرق عنه الشمل بالسمل ، و اغتدى أميراً ضريراً تعتريه
الجوائح
و صاحب مصر قد مضى بسبيله و والي الجبال غيبته الضرائح
و صاحب جرجانية في ندامة ترصده طرف من الحين طامح
و خوارزم شاه شاه وجه نعيمه و عن له يوم من النحس طالح
و كان علا في الأرض يخطبها أبو علي إلى أن طوحته الطوائح
و صاحب بست ذلك الضيغم الذي براثنه للمشرقين مفاتح
أناخ به من صدمة الدهر كلكل فلم تغن عنه و المقدر سانح
جيوش إذا أربت على عدد الحصى تغص بها قيعانها و الصحاصح
و دارت على صمصام دولة بويه دوائر سوء سلبهن فوادح
و قد جاز والي الجوزجان قناطر الح ياة فوافته المنايا الطوامح
و ذكر الذهبي أن العزيز صاحب مصر مات سنة ست و ثمانين
و فتحت له زيادة على أبائه : حمص ، و حماة ، و حلب ، و خطب له بالموصل و باليمن ، و
ضرب اسمه فيها على السكة و الأعلام ، و قام بالأمر بعده ابنه منصور و لقب [الحاكم
بأمر الله ] .
و في سنة تسعين ظهر بسجستان معدن ذهب ، فكانوا يصفون من التراب الذهب الأحمر .
و في سنة ثلاث و تسعين أمر نائب دمشق الأسود الحاكمي بمغربي ، فطيف به على حمار ، و
نودي عليه : هذا جزاء من يحب أبا بكر و عمر ، ثم ضرب عنقه رحمه الله ، و لا رحم
قاتله ، و لا أستاذه الحاكم .
و في سنة أربع و تسعين قلد بهاء الدولة الشريف أبا أحمد الحسين بن موسى الموسوي
قضاء القضاة و الحج و المظالم و نقابة الطالبين ، و كتب له من شيراز العهد ، فلم
ينظر في القضاء ، لامتناع القادر من الإذن له .
و في سنة خمس و تسعين قتل الحاكم بمصر جماعة من الأعيان صبراً ، و أمر بكتب سب
الصحابة على أبواب المساجد و الشوارع ، و أمر العمال بالسب .
و فيها أمر بقتل الكلاب ، و أبطل الفقاع و الملوخيا ، و نهى عن السمك الذي لا قشر
له ، و قتل جماعة ممن باع ذلك بعد نهيه .
و في سنة ست و تسعين أمر الناس بمصر و الحرمين إذا ذكر الحاكم أن يقوموا و يسجدوا
في السوق ، و في مواضع الاجتماع .
و في سنة ثمان و تسعين وقعت فتنة بين الشيعة و أهل السنة في بغداد ، و كاد الشيخ
أبو حامد الإسفرايني يقتل فيها ، و صاح الرافضة ببغداد : يا حاكم، يا منصور فأحفظ
القادر من ذلك ، و أنفذ الفرسان الذين على بابه لمعاونة أهل السنة ، فانكسر الروافض
.
و فيها هدم الحاكم بيعة قمامة التي بالمقدس ، و أمر بهدم جميع الكنائس التي بمصر ،
و أمر النصارى بأن تحمل في أعناقهم الصلبان طول الصليب ذراع و وزنه خمسة أرطال
بالمصري ، و اليهود أن يحملوا في أعناقهم قرم الخشب في زنة الصلبان ، و أن يلبسوا
العمائم السود ، فأسلم طائفة منهم ، ثم بعد ذلك أذن في إعادة البيع و الكنائس ، و
أذن لمن أسلم أن يعود إلى دينه لكونه مكرهاً .
و في سنة تسع و تسعين عزل أبو عمرو قاضي البصرة ، و ولي القضاء أبو الحسن بن أبي
الشوارب ،، فقال العصفري الشاعر :
عندي حديث طريف بمثله يتغنى
عن قاضيين يعزى هذا ، و هذا يهنى
و ذا يقول جبرنا و ذا يقول استرحنا
و يكذبان جميعاً و من يصدق منا
و فيها وهي سلطان بني أمية بالأندلس و انخرم نظامهم .
و في سنة أربعمائة نقصت دجلة نقصاناً لم يعهد ، و اكتريت لأجل جزائر ظهرت ، و لم
يكن قبل ذلك قط .
و في سنة اثنتين نهى الحاكم عن بيع الرطب ، و حرقه ، و عن بيع العنب ، و أباد
كثيراً من الكروم .
و في سنة أربع منع النساء من الخروج إلى الطرقات ليلاً و نهاراً ، و استمر ذلك إلى
أن مات .
و في سنة إحدى عشرة قتل الحاكم لعنه الله بحلوان ـ قرية بمصر ـ و قام بعده ابنه علي
، و لقب بالظاهر لإعزاز دين الله ، و تضعضعت دولتهم في أيامه فخرجت عنهم حلب و أكثر
الشام .
و في سنة اثنتين و عشرين توفي القادر بالله ليلة الاثنين الحادي عشر من ذي الحجة ،
عن سبع و ثمانين سنة ، و مدة خلافته إحدى و أربعون سنة و ثلاثة أشهر .
و ممن مات في أيامه من الأعلام : أبو أحمد العسكري الأديب ، و
الرماني النحوي ، و أبو الحسن الماسرجسي شيخ الشافعية ، و أبو عبيد الله المرزباني
، و الصاحب بن عباد ـ و هو وزير مؤيد الدولة ، و هو أول من سمي بالصاحب من الوزراء
، و الدارقطني الحافظ المشهور ، و ابن شاهين ، و أبو بكر الأودني إمام الشافعية ، و
يوسف بن السيرافي ، و ابن زولاق المصري ، و ابن أبي زيد المالكي شيخ المالكية ، و
أبو طالب المكي صاحب [ قوت القلوب ] ، و ابن بطة الحنبلي ، و ابن سمعون الواعظ ، و
الخطابي ، و الحاتمي اللغوي ، و الأدفوي أبو بكر ، و زاهر السرخسي شيخ الشافعية ، و
ابن غلبون المقرىء ، و الكشميهني راوي الصحيح ، و المعافى بن زكريا النهرواني ، و
ابن خويز منداد ، و ابن جني ، و الجوهري صاحب [ الصحاح ] ، و ابن فارس صاحب [
المجمل ] ، و ابن منده الحافظ ، و الإسماعيلي شيخ الشافعية ، و أصبغ بن الفرج شيخ
المالكية ، و بديع الزمان أول من عمل المقامات ، و ابن لال ، و ابن أبي زمنين ، و
أبو حيان التوحيدي ، و الوأواء الشاعر ، و الهروي صاحب [ الغريبين ] ، و أبو الفتح
البستي الشاعر ، والحليمي شيخ الشافعية ، وابن الفارض ، و أبو الحسن القابسي ، و
القاضي أبو بكر الباقلاني ، و أبو الطيب الصعلوكي ، و ابن الأكفاني ، و ابن نباتة
صاحب الخطب ، و الصيمري شيخ الشافعية ، و الحاكم صاحب المستدرك ، و ابن كج ، و
الشيخ أبو حامد الإسفرايني ، و ابن فورك ، و الشريف الرضي ، و أبو بكر الرازي صاحب
الألقاب، و الحافظ عبد الغني بن سعيد ، و ابن مردوية ، و هبة الله بن سلامة الضرير
المفسر ، و أبو عبد الرحمن السلمي شيخ الصوفية ، و ابن البواب صاحب الخط ، و عبد
الجبار المعتزلي ، و المحاملي إمام الشافعية ، و أبو بكر القفال شيخ الشافعية ، و
الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني ، و اللاكائي ، و ابن الفخار عالم الأندلس ، و علي بن
عيسى الربعي النحوي ، و خلائق آخرون .
قال الذهبي : كان في هذا العصر رأس الأشعرية أبو إسحاق
الإسفرايني ، و رأس المعتزلة القاضي عبد الجبار ، و رأس الرافضة الشيخ المقتدر ، و
رأس الكرامية محمد بن الهيصم ، و رأس القراء أبو الحسن الحمامي ، و رأس المحدثين
الحافظ عبد الغني بن سعيد ، و رأس الصوفية أبو عبد الرحمن السلمي ، و رأس الشعراء
أبو عمر بن دراج ، و رأس المجودين ابن البواب ، و رأس الملوك السلطان محمود بن
سبكتكين .
قلت : و يضم إلى هذا رأس الزنادقة الحاكم بأمر الله ، و رأس اللغويين الجوهري ، و
رأس النحاة ابن جني ، و رأس البلغاء البديع ، و رأس الخطباء ابن نباتة ، و رأس
المفسرين أبو القاسم بن حبيب النيسابوري ، و رأس الخلفاء القادر بالله ـ فإنه من
أعلامهم ، تفقه و صنف . و ناهيك بأن الشيخ تقي الدين ابن الصلاح عده من الفقهاء
الشافعية ، و أورده في طبقاتهم ، و مدته في الخلافة من أطول المدد . |
|
|