|
|
المتقي بالله إبراهيم بن
المقتدر بن المعتضد 329 هـ ـ 333 هـ
المتقي لله : أبو إسحاق إبراهيم ، بن المقتدر ، بن المعتضد بن الموفق طلحة ، بن
المتوكل .
بويع له بالخلافة بعد موت أخيه الراضي ، و هو ابن أربع و ثلاثين سنة ، و أمه أمة
اسمها خلوب ، و قيل : زهرة و لم يغير شيئاً قط ، و لا تسرى على جاريته التي كانت له
، و كان كثير الصوم و التعبد ، و لم يشرب نبيذاً قط ، و كان يقول : لا أريد نديماً
غير المصحف ، و لم يكن سوى له الاسم و التدبير لأبي عبد الله أحمد بن علي الكوفي
كاتب بجكم .
و في هذه السنة من ولايته سقطت القبة الخضراء بمدينة المنصورة ، و كانت تاج بغداد ،
و مأثرة بني العباس ، و هي من بناء المنصور ، ارتفاعها ثمانون ذراعاً ، و تحتها
إيوان طوله عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً ، و عليها تمثال فارس بيده رمح فإذا
استقبل بوجهه جهة علم أن خارجياً يظهر من تلك الجهة ، فسقط رأس هذه القبة في ليلة
ذات مطر و رعد .
و في هذه السنة قتل بحكم التركي ، فولي إمرة الأمراء مكانه كورتكين الديلمي ، و أخذ
المتقي حواصل بحكم التي كانت ببغداد ، و هي زيادة على ألف ألف دينار .
ثم في هذا العام ظهر ابن رائق ، فقاتل كورتكين ببغداد ، فهزم كورتكين و اختفى ، و
ولي ابن رائق إمرة الأمراء مكانه .
و في سنة كان الغلاء ببغداد ، فبلغ كر الحنطة ثلاثمائة و ست عشر ديناراً ، و اشتد
القحط ، و أكلوا الميتات ، و كان قحطاً لم ير ببغداد مثله أبداً .
و فيها خرج أبو الحسن علي بن محمد اليزيدي ، فخرج لقتاله الخليفة و ابن رائق ،
فهزما و هربا إلى الموصل ، و نهبت بغداد و دار الخلافة ، فلما وصل الخليفة إلى
تكريت وجد هناك سيف الدولة أبا الحسن علي بن عبد الله بن حمدان ، أخاه الحسن ، و
قتل ابن رائق غلية ، فولى الخليفة مكانه الحسن بن حمدان ، و لقبه [ ناصر الدولة ] و
خلع على أخيه و لقبه [ سيف الدولة ] و عاد إلى بغداد و هما معه ، فهرب اليزيدي إلى
واسط ، ثم ورد الخبر في ذي القعدة أن اليزيدي يريد بغداد ، فاضطرب الناس ، و هرب
وجوه أهل بغداد ، و خرج الخليفة ليكون مع ناصر الدولة ، و سار سيف الدولة لقتال
اليزيدي ، فكانت بينهما وقعة هائلة بقرب المدائن ، و هزم اليزيدي ، فعاد بالويل إلى
واسط ، فساق سيف الدولة إلى واسط ، فانهزم اليزيدي إلى البصرة .
و في سنة إحدى و ثلاثين وصلت الروم إلى أرزن ، و ميافارقين ، و نصيبين ، فقتلوا و
سبوا ، ثم طلبوا منديلاً في كنيسة الرها ، يزعمون أن المسيح مسح به وجهه ، فارتسمت
صورته فيه على أنهم يطلقون جميع من سبوا ، فأرسل إليهم ، و أطلقوا الأسرى .
و فيها هاج الأمراء بواسط على سيف الدولة ، فهرب في البريد يريد بغداد ، ثم سار إلى
الموصل أخوه ناصر الدولة خائفاً لهرب أخيه ، و سار من واسط تورون ، فقصد بغداد و قد
هرب منه سيف الدولة إلى الموصل ، فدخل تورون بغداد في رمضان ، فخاع عليه المتقي ، و
ولاه أمير الأمراء ، ثم وقعت الوحشة بين المتقي و تورون أبا جعفر بن شيرزاد ، من
واسط إلى بغداد ، فحكم عليها و أمر و نهي ، فكاتب المتقي ابن حمدان بالقدوم عليه ،
فقدم في جيش عظيم ، و استتر ابن شيرزاد ، في سار المتقي بأهله إلى تكريت ، و خرج
ناصر الدولة بجيش كثير من الأعراب و الأكراد إلى قتال تورون ، فالتقيا بعكبرا .
فانهزم ابن حمدان و الخليفة إلى نصيبين ، فكتب الخليفة إلى الأخشد صاحب مصر أن يحضر
إليه ، ثم بان له من بني حمدان الملل و الضجر ، فراسل الخليفة تورون في الصلح ،
فأجاب و بالغ في الأيمان ثم حضر الأخشيد إلى المتقي و هو بالرقة و قد بلغه مصالحه
تورون ، فقال : يا أمير المؤمنين أنا عبدك و ابن عبدك ، و قد عرفت الأتراك و فجورهم
و غدرهم ، فالله في نفسك ، سر معي إلى مصر ، فهي لك ، و تأمن على نفسك ، فلم يقبل ،
فرجع الأخشيد إلى بلاده ، و خرج المتقي من الرقة إلى بغداد في رابع المحرم سنة ثلاث
و ثلاثين ، و خرج للقائه تورون ، فالتقيا بين الأنبار و هيت ، فترجل تورون و قبل
الأرض ، فأمره المتقي بالركوب ، فلم يفعل ، و مشى بين يديه إلى المخيم الذي ضربه له
، فلما نزل قبض عليه و على ابن مقلة و من معه ، ثم كحل الخليفة و أدخل بغداد مسمول
العينين ، و قد أخذ منه الخاتم و البردة و القضيب ، و أحضر تورون عبد الله بن
المكتفي و بايعه بالخلافة ، و لقب المستكفي بالله ،ثم بايعه المتقي المسمول ، و
أشهد على نفسه بالخلع مع ذلك لعشر بقين من الحرم ـ و قيل : من صفر ـ و لما كحل قال
القاهر :
صرت و إبراهيم شيخي عمى لا بد للشيخين من مصدر
ما دام تورون له إمرة مطاعة فالميل في المجمر
و لم يحل الحول على تورون حتى مات ، و أما المتقي فإنه أخرج إلى جزيرة مقابلة
للسندية ، فسجن بها ، فأقام بالسجن خمساً و عشرين سنة ، إلى أن مات في شعبان سنة
سبع و خمسين .
و في أيام المتقي كان ابن حمدي اللص ضمنه ابن شيرزاد لما تغلب على بغداد اللصوصية
بها بخمسة و عشرين ألف دينار في الشهر ، فكان يكبس بيوت الناس بالمشعل و الشمع ، و
يأخذ الأموال ، و كان اسكورج الديلمي قد ولي شرطة بغداد ، فأخذ و وسطه و ذلك سنة
ثنتين و ثلاثين .
مات في أيام المتقي من الأعلام : أبو يعقوب النهرجوري أحد أصحاب الجنيد ، و القاضي
أبو عبد الله المحاملي ، و أبو بكر الفرغاني الصوفي ، و الحافظ أبو العباس بن عقدة
، و ابن ولاد النحوي ، و آخرون .
و لما بلغ القاهر أنه سمل قال : صرنا اثنين نحتاج إلى ثالث ، فكان كذلك ، شمل
المستكفي . |
|
|