|
|
المقتدي بأمر الله عبد
الله بن محمد بن القائم بأمر الله 467 هـ ـ 487 هـ
المقتدي بأمر الله : أبو القاسم عبد الله بن محمد بن القائم بأمر الله .
مات أبوه في حياة القائم ـ و هو حمل ـ فولد بعد وفاة أبيه بستة أشهر . و أمه أم ولد
، اسمها أرجوان .
و بويع له بالخلافة عند موت جده ، و له تسع عشرة سنة و ثلاثة أشهر ، و كانت البيعة
بحضرة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي ، و ابن الصباغ ، و الدامغاني ، و ظهر في أيامه
خيرات كثيرة و آثار حسنة في البلدان .
و كانت قواعد الخلافة في أيامه باهرة وافرة الحرمة ، بخلاف من تقدمه .
و من محاسنه أنه نفى المغنيات و الحواظي ببغداد ، و أمر أن لا يدخل أحد الحمام إلا
بمئزر ، و خرب أبراج الحمام صيانة لحرم الناس .
و كان ديناً ، خيراً ، قوي النفس ، عالي الهمة ، من نجباء بني العباس .
و في هذه السنة من خلافته أعيدت الخطبة للعبيدي بمكة ، و فيها جمع نظام الملك
المنجمين ، و جعلوا النيروز أول نقطة من الحمل ، و كان قبل ذلك عند حلول الشمس نصف
الحوت ، و صار ما فعله النظام مبدأ التقاويم .
و في سنة ثمان و ستين خطب للمقتدي بدمشق ، و أبطل الأذان بحي على خير العمل ، و فرح
الناس بذلك .
و في سنة تسع و ستين قدم بغداد أبو نصر بن الأستاذ أبي القاسم القسيري حاجاً فوعظ
بالنظامية . و جرى له فتنة كبيرة مع الحنابلة ، لأنه تكلم على مذهب الأشعري ، و حط
عليهم ، و كثر أتباعه و المتعصبون له ، فهاجت فتن و قتلت جماعة .
و عزل فخر الدولة بن جهير من وزارة المقتدي لكونه شذ عن الحنابل .
و في سنة خمس و سبعين بعث الخليفة الشيخ أبا إسحاق الشيرازي رسولاً إلى السلطان
يتضمن الشكوى من العميد أبي الفتح بن أبي الليث عميد العراق .
و في سنة ست و سبعين رخصت الأسعار بسائر البلاد ، و ارتفع الغلاء .
و فيها ولى الخليفة أبا شجاع محمد بن الحسين الوزارة ، و لقبه [ ظهير الدين ] ، و
أظن ذلك أول حدوث التلقيب بالإضافة إلى الدين .
و في سنة سبع و سبعين سار سليمان بن قتلمش السلجوقي صاحب قونية ، و أقصراء بجيوشه
إلى الشام ، فأخذ أنطاكية ـ و كانت بيد الروم من سنة ثمان و خمسين و ثلاثمائة ـ و
أرسل إلى السلطان ملكشاه يبشره ، قال الذهبي : و آل
سلجوق هم ملوك بلاد الروم ، و قد امتدت أيامهم ، و بقي منهم بقية إلى زمن الملك
الظاهر بيبرس .
و في سنة ثمان و سبعين جاءت ريح سوداء ببغداد بعد العشاء ، و اشتد الرعد و البرق ،
و سقط رمل و تراب كالمطر ، و وقعت عدة صواعق في كثير من البلاد فظن الناس أنها
القيامة ، و بقيت ثلاث ساعات بعد العصر ، و قد شاهد هذه الكائنة الإمام أبو بكر
الطرطوشي و أوردها في أماليه .
و في سنة تسع و سبعين أرسل يوسف بن تاشفين صاحب سبتة و مراكش ، إلى المقتدي يطلب أن
يسلطنه ، و أن يقلده ما بيده من البلاد ، فبعث إليه الخلع و الأعلام و التقليد ، و
لقبه بأمير المسلمين ، ففرح بدلك ، و سر به فقهاء المغرب ، و هو الذي أنشأ مدينة
مراكش .
و فيها دخل السلطان ملكشاه بغداد في ذي الحجة و هو أول دخوله إليها ، فنزل بدار
المملكة ، و لعب بالكرة ، و قد تقاوم الخليفة ثم رجع إلى أصبهان .
و فيها قطعت خطبة العبيدي بالحرمين ، و خطب للمقتدي . و في سنة إحدى و ثمانين مات
ملك غزنة المؤيد إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين ، و قام مقامه ابنه جلال
الدين مسعود .
و في سنة ثلاث و ثمانين عملت ببغداد مدرسة لتاج الملك مستوفي الدولة بباب أبرز و
درس بها أبو بكر الشاشي .
و في سنة أربع و ثمانين استولت الفرنج على جميع جزيرة صقلية ، و هي أول ما فتحها
المسلمون بعد المائتين ، و حكم عليها آل الأغلب دهراً إلى أن استولى العبيدي المهدي
على المغرب .
و فيها قدم السلطان ملكشاه بغداد ، و أمر بعمل جامع كبير بها ، و عمل الأمراء حوله
دوراً ينزلونها ، ثم رجع إلى أصبهان ، و عاد إلى بغداد في سنة خمس و ثمانين عازماً
على الشر ، و أرسل إلى الخليفة يقول : لا بد أن تترك لي بغداد و تذهب إلى أي بلد
شئت ، فانزعج الخليفة و قال : و لا ساعة واحدة ، فأرسل الخليفة إلى وزير السلطان
يطلب المهلة إلى عشرة أيام ، فاتفق مرض السلطان و موته ، و عد ذلك كرامة للخليفة ،
و قيل : إن الخليفة جعل يصوم ، فإذا أفطر جلس على الرماد و دعا على ملكشاه ،
فاستجاب الله دعاءه ، و ذهب إلى حيث ألقت ، و لما كتمت زوجته تركان خاتون موته و
أرسلت إلى الأمراء سراً فاستحلفتهم لولده محمود ـ و هو ابن خمس سنين فخلفوا له ، و
أرسلت إلى المقتدي في أن يسلطنه فأجاب ، و لقبه [ ناصر الدنيا و الدين ] ثم خرج
عليه أخوه بركياروق بن ملكشاه ، فقلده الخليفة و لقبه [ركن الدين ] ، و ذلك في
المحرم سنة سبع و ثمانين و أربعمائة ، و علم الخليفة على تقليده ، ثم مات الخليفة
من الغد فجـأة ، فقيل : إن جاريته شمس النهار سمته ، و بويع لولده المستظهر .
و ممن مات في أيام المقتدي من الأعلام : عبد القادر الجرجاني
، و أبو الوليد الباجي ، و الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ، و الأعلم النحوي ، و ابن
الصباغ صاحب [ الشامل ] ، و المتولي ، و إمام الحرمين ، و الدامغاتي الحنفي ، و ابن
فضالة المجاشعي ، و البزدوي شيخ الحنفية . |
|
|