|
|
المستضيء بأمر الله
الحسن بن المستنجد بالله 566 هـ ـ 575 هـ
المستضيء بأمر الله : الحسن أبو محمد بن المستنجد بالله ، ولد سنة ست و ثلاثين و
خمسمائة ، و أمه أم ولد أرمنية اسمها غضة ، بويع له بالخلافة يوم موت أبيه .
قال ابن الجوزي : فنادى برفع المكوس ورد المظالم ، و
أظهر من العدل و الكرم ما لم نره في أعمارنا و فرق ملاً عظيماً على الهاشميين و
العلويين و العلماء و المدارس و الربط ، و كان دائم البذل للمال ، ليس له عنده وقع
، ذا حلم و أناة و رأفة ، و لما استخلف خلع على أرباب الدولة و غيرهم ، فحكى خياط
المخزن أنه فصل ألفاً و ثلثمائة قباء إبر سيم ، و خطب له على المنابر بغداد ، و
نثرت الدنانير كما جرت العادة ، و ولي روح بن الحديثي القضاء ، و أمر سبعة عشر
مملوكاً ، و للحيص بيص فيه :
يا إمام الهدى علوت على الجو د بمال و فضة و نضال
فوهبت الأعمار و الأمن و البلـ ـدان في ساعة مضت من نهار
فماذا يثني عليك و قد جا وزت فضل البحور و الأمطار
إنما أنت معجز مستقل خارق للعقول و الأفكار
جمعت نفسك الشريفة بالبأ س و بالجود بين ماء و نار
قال ابن الجوزي : و احتجب المستضيء عن أكثر الناس ،
فلم يركب إلا مع الخدم ، و لا يدخل عليه غيرهم .
و في خلافته انقضت دولة بني عبيد ، و خطب له بمصر ، و ضربت السكة باسمه ، و جاء
البشير بذلك ، فعلقت الأسواق ببغداد ، و عملت القباب ، و صنفت كتاباً سميته [ النصر
، على مصر ] هذا كلام ابن الجوزي .
و قال الذهبي : في أيامه ضعف الرفض ببغداد و وهى ، و
أمن الناس ، و رزق سعادة عظيمة في خلافته ، و خطب له باليمن ، و برقة ، و توزر ، و
مصر إلى أسوان ، و دانت الملوك بطاعته ، و ذلك سنة سبع و ستين .
و قال العماد الكاتب : استفتح السلطان صلاح الدين بن
أيوب سنة سبع بجامع مصر كل طاعة و سمع ، و هو إقامة الخطبة في الجمعة الأولى منها
بمصر لبني العباس ، و عفت البدعة ، و صفت الشرعة ، و أقيمت الخطبة العباسية في
الجمعة الثانية بالقاهرة ، و أعقب ذلك موت العاضد في يوم عاشوراء ، و تسلم صلاح
الدين القصر بما فيه من الذخائر و النفائس ، بحيث استمر البيع فيه عشر سنين غير ما
اصطفاه صلاح الدين لنفسه ، و سير السلطان نور الدين بهذه البشارة شهاب الدين المطهر
ابن العلامة شرف الدين ابن أبي عصرون إلى بغداد ، و أمرني بإنشاء بشارة عامة تقرأ
في سائر بلاد الإسلام .
فأنشأت بشارة أولها : الحمد لله معلي الحق و معلنه ، و موهي الباطل و موهنه ، و
منها : و لم يبق بتلك البلاد منبر إلا و قد أقيمت عليه الخطبة لمولانا الإمام
المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين ، و تمهدت جوامع الجمع ، و تهدمت صوامع البدع ـ
إلى أن قال : و طالما مرت عليها الحقب الخوالي ، و بقيت مائتين و ثمان سنين ممنوة
بدعوة المبطلين ، مملوءة بحزب الشياطين ، فملكنا الله تلك البلاد ، و مكن لنا في
الأرض ، و أقدرنا على ما كنا نؤمله من إزالة الإلحاد و الرفض .
و تقدمنا إلى من استنبناه أن يقيم الدعوة العباسية هنالك ، و يورد الأدعياء و دعاة
الإلحاد بها المهالك .
و للعماد قصيدة في ذلك منها :
قد خطبنا للمستضيء بمصر نائب المصطفى إمام العصر
و خذلنا لنصره العضد العا ضد و القاصر الذي بالقصر
و تركنا الدعي يدعوا ثبوراً و هو تحت حجر و حصر
و أرسل الخليفة في جواب البشارة الخلع و التشريفات لنور الدين و صلاح الدين و
أعلاماً و بنوداً للخطباء بمصر ، و سير للعماد الكاتب خلعة و مائة دينار ، فعمل
قصيدة أخرى منها :
أدالت بمصر لداعي الهدا ة و انتقمت من دعي اليهود
و قال ابن لأثير : السبب في إقامة الخطبة العباسية
بمصر أن صلاح الدين يوسف بن أيوب لما ثبت قدمه و ضعف أمر العاضد كتب إليه نور الدين
محمود بن زنكي يأمره بذلك ، فاعتذر بالخوف من وثوب المصريين ، فلم يضع إلى قوله ، و
أرسل إليه يلزمه بذلك ، و اتفق أن العاضد مرض ، فاستشار صلاح الدين أمراءه فمنهم من
وافق و منهم من خاف و كان قد دخل مصر أعجمي يعرف بالأمير العالم فلما ما هم فيه من
الإحجام قال : أنا أبتدئ بها ، فلما كان أول جمعة من المحرم صعد المنبر قبل الخطيب
و دعا للمستضئ ، فلم ينكر ذلك أحد ، فلما كان الجمعة الثانية أمر صلاح الدين
الخطباء بقطع خطبة العاضد ، ففعل ذلك و لم ينتطح فيها عنزان ـ و العاضد شديد المرض
ـ فتوفي في يوم عاشوراء .
و في سنة تسع و ستين أرسل نور الدين الخليفة بتقادم و تحف منها حمار مخطط و ثوب
عتابي ، و خرج الخلق للفرجة عليه ، و كان فيهم رجل عتابي كثير الدعاوي ، و هو بليد
ناقص الفضيلة ، فقال رجل : إن كان قد بعث إلينا حمار عتابي فنحن عندنا عتابي حمار .
و فيها وقع برد بالسواد كالنارنج هدم الدور ، و قتل جماعة و كثيراً من المواشي ، و
زادت دجلة زيادة عظيمة بحيث عرفت بغداد ، و صليت خارج الجمعة خارج السور و زادت
الفرات أيضاً ، و أهلكت قرى و مزارع ، و ابتهل الخلق إلى الله تعالى ، و من العجائب
أن هذا الماء على هذه الصفة و دجيل قد هلكت مزارعه بالعطش .
و فيها مات السلطان نور الدين ـ و كان صاحب دمشق ـ و ابنه الملك الصالح إسماعيل ـ و
هو صبي ـ فتحركت الفرنج بالسواحل فصولحوا بمال و هودنوا .
و فيها أراد جماعة من شيعة العبيديين و محبيهم إقامة الدعوة و ردها إلى آل العاضد ،
و وافقهم جماعة من أمراء صلاح الدين ، فاطلع صلاح الدين على ذلك فصلبهم بين القصرين
.
و في سنة اثنتين و سبعين أمر صلاح الدين ببناء السور الأعظم المحيط بمصر و القاهرة
، و جعل على بنائه الأمير بهاء الدين قراقوش .
قال ابن الأثير : دورة تسعة و عشرون ألف ذراع و
ثلثمائة ذراع بالهاشمي .
و فيها أمر بإنشاء قلعة بجبل المقطم ـ و هي التي صارت دار السلطنة ـ و لم تتم إلا
في أيام السلطان الملك الكامل ابن أخي صلاح الدين ، و هو أول من سكنها .
و فيها بنى صلاح الدين تربة الإمام الشافعي .
و في سنة أربع و سبعين هبت ببغداد ريح شديدة نصف الليل ، و ظهرت أعمدة مثل النار في
أطراف السماء ، و استغاث الناس استغاثة شديدة ، و بقي الأمر على ذلك إلى السحر .
و في سنة خمس و سبعين مات الخليفة المستضيء ، في سلخ شوال ، و عهد إلى ابنه أحمد .
و ممن مات أيام المستضيء من الأعلام : ابن الخشاب النحوي ، و
ملك النحاة أبو نزار الحسن بن صافي ، و الحافظ أبو العلاء الهمذاني ، و ناصح الدين
بن الدهان النحوي ، و الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر من حفدة الشافعي ، و الحيض
بيص الشاعر ، و الحافظ أبو بكر بن خير ، و آخرون .
|
|
|