المستنجد بالله يوسف بن
المقتفى لأمر الله 555 هـ ـ 556 هـ
المستنجد بالله : أبو المظفر يوسف بن المقتفي .
ولد سنة ثمان عشرة و خمسمائة ، و أمه أم ولد كرجية اسمها طاوس ، خطب له أبوه بولاية
العهد سنة سبع و أربعين .
و بويع له يوم موت أبيه ، و كان موصوفاً بالعدل و الرفق ، أطلق من المكوس شيئاً
كثيراً بحيث لم يترك بالعراق مكساً ، و كان شديداً على المفسدين ، سجن رجلاً كان
يسعى بالناس مدة ، فحضره رجل و بذل فيه عشرة آلاف دينار ، فقال : أنا أعطيك آلاف
دينار و دلني على آخر مثله لأحبسه و أكف شره عن الناس .
قال ابن الجوزي : و كان المستنجد موصوفاً بالفهم
الثاقب ، و الرأي الصائب ، و الذكاء الغالب ، و الفضل الباهر ، له نظم بديع ، و نثر
بليغ ، و معرفة بعمل آلات الفلك و الإسطرلاب ، و غير ذلك .
و من شعره :
عيرتني بالشيب و هو وقار ليتها عيرت بما هو عار
إن تكن شابت الذوائب مني فالليالي تزينها الأقمار
و له في بخيل :
و باخل أشعل في بيته تكرمة منه لنا شمعة
فما جرت من عينها دمعة حتى جرت منه عينه دمعه
و فيه في وزيره ابن هبيرة و قد رأى منه ما يعجبه من تدبير مصالح المسلمين :
صفت نعمتان خصاتك و عمتا بذكرهما حتى القيامة تذكر
وجودك و الدنيا إليك فقيرة وجودك و المعروف في الناس
منكر
فلو رام يا يحيى مكانك جعفر و يحيى لكفا عنه يحيى و جعفر
و لم أر من ينوي لك السوء يا أبا الـ ـمظفر إلا كنت أنت المظفر
مات في ثمان ربيع الآخر سنة ست و ستين .
و كان في أول سنة من خلافته مات الفائز صاحب مصر ، و قام بعده العاضد لدين الله آخر
خلفاء بني عبيد .
و في سنة اثنتين و ستين جهز السلطان نور الدين الأمير أسد الدين شيركوه في ألفي
فارس لإلى مصر ، فنزل بالجيزه و حاصر مصر نحو شهرين ، فاستنجد صاحبها بالفرنج ،
فدخلوا من دمياط لنجدته ، فرحل أسد الدين إلى الصعيد ، ثم وقعت بينه و بين المصريين
حرب انتصر فيها على قلة عسكره و كثرة عدوه ، و قتل من الفرنج ألوفاً ، ثم جبى أسد
الدين خراج الصعيد ، و قصد الفرنج الإسكندرية ، و قد أخذها صلاح الدين يوسف بن أيوب
ـ و هو ابن أخي أسد الدين ـ فحاصروها أربعة أشهر ، فتوجه أسد الدين إليهم ، فرحلوا
عنها ، فرجع إلى الشام .
و في سنة أربع و ستين قصدت الفرنج الديار المصرية في جيش عظيم ، فملكوا بلبيس ، و
حاصروا القاهرة ، فأحرقها صاحبها خوفاً منهم ، ثم كاتب السلطان نور الدين يستنجد به
، فجاء أسد الدين بجيوشه ، فرحل الفرنج عن القاهرة لما سمعوا بوصوله ، و دخل أسد
الدين ، فولاه العاضد صاحب مصر الوزارة و خلع عليه ، فلم يلبث أسد الدين أن مات بعد
خمسة و ستين يوماً ، فولى العاضد مكانه ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب ، و قلده
الأمور ، و لقبه [ الملك الناصر ] ، فقام بالسلطنة أتم قيام .
و من أخبار المستنجد قال الذهبي : ما زالت الحمرة
الكثيرة تعرض في المساء منذ مرض ، و كان يرى ضوؤها على الحيطان .
و ممن مات في أيامه من الأعلام : الديلمي صاحب [ مسند الفردوس
] ، و العمراني صاحب [ البيان ] ـ من الشافعية ، و ابن البزري شافعي أهل الجزيرة ،
و الوزير ابن هبيرة ، و الشيخ عبد القادر الجيلي ، و الإمام أبو سعيد السمعاني ، و
أبو النجيب السهرودي أبو الحسن بن هزيل المقرئ ، و آخرون .
|