|
|
المستظهر بالله أحمد
بن المقتدر بأمر الله 487 هـ ـ 512 هـ
المستظهر بالله : أبو العباس أحمد بن المتقدي بالله .
ولد في شوال سنة سبعين و أربعمائة ، و بويع له عند موت أبيه و له ست عشرة سنة و
شهران .
و قال ابن الأثير : كان لين الجانب ، كريم الأخلاق يحب
اصطناع الناس ، و يفعل الخير و يسارع في أعمال البر ، حسن الخط ، جيد التوقيعات ،
لا يقاربه فيها أحد ، يدل على فضل غزير ، و علم واسع ، سمحاً ، جواداً ، محباً
للعلماء و الصلحاء ، و لم تصف له الخلافة ، بل كانت أيامه مضطربة كثيرة الحروب .
و في هذه السنة من أيامه مات المستنصر العبيدي صاحب مصر ، و قام بعده ابنه المستعلي
أحمد .
و فيها أخذت الروم بلنسية .
و في سنة ثمان و ثمانين قتل أحمد خان صاحب سمرقند ، لأنه ظهر منه الزندقة ، فقبض
عليه الأمراء و أحضروا الفقهاء ، فأفتوا بقتله فقتل لا رحمه الله ، و ملكوا ابن عمه
.
و في سنة تسع و ثمانين اجتمعت الكواكب السبعة سوى زحل في برج الحوت . فحكم المنجمون
بطوفان يقارب طوفان نوح ، فاتفق أن الحجاج نزلوا في دار المناقب فأتاهم سيل غرق
أكثرهم .
و في سنة تسعين قتل السلطان أرسلان أرغون بن ألب أرسلان السلجوقي صاحب خراسان ،
فتملكها السلطان بركياروق ، و دانت له البلاد و العباد .
و فيها خطب للعبيدي بحلب و أنطاكية و المعمرة و شيزر شهراً ، ثم أعيدت الخطبة
العباسية .
و فيها جاء الفرنج فأخذوا نيقية ، و هو أول بلد أخذوه و وصلوا إلى كفر طاب و
استباحوا تلك النواحي ، فكان هذا أول مظهر الفرنج بالشام ، قدموا في بحر
القسطنطينية في جمع عظيم ، و انزعجت الملوك و الرعية ، و عظم الخطب ، فقيل : إن
صاحب مصر لما رأى قوة السلجقوية و استلاءهم على الشام كاتب الفرنج يدعوهم إلى
المجيء إلى الشام ليملكوها ، و كثر النفير على الفرنج من كل جهة .
و في سنة اثنتين و تسعين انتشرت دعوة الباطنية بأصبهان .
و فيها أخذت الفرنج بيت المقدس بعد حصار شهر و نصف ، و قتلوا به أكثر من سبعين
ألفاً منهم جماعة من العلماء ، و العباد ، و الزهاد ، و هدموا المشاهد ، و جمعوا
اليهود في الكنيسة و أحرقوا عليهم ، و ورد المستنفرون إلى بغداد فأوردوا كلاماً
أبكى العيون و اختلفت السلاطين ، فتمكنت الفرنج من الشام ، و للأبيوردي في ذلك :
مزجنا دماء بالدموع السواجم فلم يبق منا عرصة للمراحم
و شر سلاح المرء دمع يفيضه إذا الحرب شبت نارها بالصوارم
فأيها بني الإسلام إن وراءكم وقائع يلحقن الذرى بالمناسم
أنائمة في ظل أمن و غبطة و عيش كنوار الخميلة ناعم
و كيف تنام العين ملء جفونها على هبوات أيقظت كل نائم
و إخوانكم بالشام يضحي مقيلهم ظهور المذاكي أو بطون
القشاعم
تسومهم الروم الهوان و أنتم تجرون ذيل الخفض فعل المسالم
فكم من دماء قد أبيحت ؟ و من دمى تواري حياء حسنها بالمعاصم
بحيث السيوف البيض محمرة الظبا و سمر العوالي داميات اللهازم
يكاد لهن المستجن بطيبة ينادي بأعلى الصوت يا آل هاشم
أرى أمتي لا يشرعون إلى العدى رماحهم و الدين واهي
الدعائم
و يجتنبون النار خوفاً من الردى و لا يحسبون العار ضربة
لازم
أترضى صناديد الأعارب بالأذى و تغضي على ذل كماة الأعاجم
فليتهم إذا لم يذودوا حمية عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم
و فيها خرج محمد بن ملكشاه على أخيه السلطان بركياروق ، فانتصر عليه ، فقلده
الخليفة ، و لقبه [ غياث الدنيا و الدين ] ، و خطب له ببغداد ، ثم جرت بينهما عدة
وقعات .
و فيها نقل المصحف العثماني من طبرية إلى دمشق ، خوفاً عليه ، و خرج الناس لتلقيه ،
فآووه خزانة بمقصورة الجامع .
و في سنة أربع و تسعين كثر أمر الباطنية بالعراق ، و قتلهم الناس ، و اشتد الخطب
بهم ، حتى كانت الأمراء يلبسون الدروع تحت ثيابهم ، و قتلوا الخلائق ، منهم
الروياني صاحب البحر .
و فيها أخذ الفرنج بلد سروج ، و حيفا ، و أرسوف ، و قيسارية .
و في سنة خمس و تسعين مات المستعلي صاحب مصر ، و أقيم بعده الآمر بأحكام الله منصور
، و هو طفل له خمس سنين .
و في سنة ست و تسعين جرت فتن للسلطان ، فترك الخطباء الدعوة للسلطان ، و اقتصروا
على الدعوة للخليفة لا غير .
و في سنة سبع و تسعين وقع الصلح بين السلطانين : محمد ، و بركياروق ، و سببه أن
الحروب لما تطاولت بينهما ، و عم الفساد ، و صارت الأموال منهوبة ، و الدماء مسفوكة
، و البلاد مخروبة ، و السلطنة مطموعاً فيها ، و أصبح الملوك مقهورين بعد أن كانوا
قاهرين ، دخل العقلاء بينهما في الصلح و كتب العهود و الأيمان و المواثيق ، و أرسل
الخليفة خلع السلطنة إلى بركياروق ، و أقيمت له الخطبة ببغداد .
و في سنة ثمان و تسعين مات السلطان بركياروق ، فأقام الأمراء بعده ولده جلال الدولة
ملكشاه ، قلده الخليفة ، و خطب له ببغداد و له دون خمس سنين ، فخرج عليه عمه محمد ،
و اجتمعت الكلمة عليه ، فقلده الخليفة ، و عاد أصبهان سلطاناً متمكناً مهيباً كثير
الجيوش .
و فيها كان ببغداد جدري مفرط ، مات فيه خلق من الصبيان لا يحصون ، و تبعه وباء عظيم
.
و في سنة تسع و تسعين ظهر رجل بنواحي نهاوند فادعى النبوة ، و تبعه خلق ، فأخذ و
قتل .
و في سنة خمسمائة ، أخذت قلعة أصبهان التي ملكها الباطنية و هدمت و قتلوا ، و سلخ
كبيرهم ، و حشي جلده تبناً ، فعل ذلك السلطان محمد بعد حصار شديد فلله الحمد .
و في سنة إحدى و خمسمائة ، رفع السلطان الضرائب و المكوس ببغداد ، و كثر الدعاء له
، و زاد في العدل و حسن السيرة .
و في سنة اثنتين عادت الباطنية فدخلوا شيزر على حين غفلة من أهلها ، فملكوها و
ملكوا القلعة ، و أغلقوا الأبواب ، و كان صاحبها خرج يتنزه ، فعاد و أبادهم في
الحال ، و قتل فيها شيخ الشافعية الروياني صاحب البحر ، قتله الباطنية في بغداد كما
تقدم .
و في سنة ثلاث أخذت الفرنج طرابلس بعد حصار سنين .
و في سنة أربع بلاء المسلمين بالفرنج ، و تايقنوا استيلاءهم على أكثر الشام ، طلب
المسلمون الهدنة ، فامتنعت الفرنج ، و صالحوهم بألوف دنانير كثيرة فهادنوا ثم غدروا
، لعنهم الله .
و فيها هبت بمصر ريح سوداء مظلمة ، أخذت بالأنفاس حتى لا يبصر الرجل يده ، و نزل
على الناس رمل ، و أيقنوا بالهلاك ، ثم تجلى قليلاً و عاد الصفرة ، و كان ذلك من
العصر إلى ما بعد المغرب .
و فيها كانت ملحمة كبيرة بين الفرنج و بين ابن تاشفين صاحب الأندلس ، نصر فيها
المسلمون ، و قتلوا ، و أسروا ، و غنموا ما لا يعبر عنه ، و بادت شجعان الفرنج .
و في سنة سبع جاء مودود صاحب الموصل بعسكر ليقاتل ملك الفرنج الذي بالقدس ، فوقع
بينهم معركة هائلة ، ثم رجع مودود إلى الشام ، فصلى الجمعة يوماً في الجامع ، و إذا
بباطني رثب عليه فجرحه ، فمات من يومه ، فكتب ملك الفرنج إلى صاحب دمشق كتاباً فيه
: [ و إن أمه قتلت عميدها في يوم عيد في بيت معبودا لحقيق على الله أن يبيدها ] .
و في سنة إحدى عشرة جاء سيل عرم ، غرق سنجار و سورها ، و هلك خلق كثير ، حتى إن
السيل ، و ظهر بعد سنين ، و سلم طفل في سرير له حمله السيل فتعلق السرير بزيتونه و
عاش و كبر .
و فيها مات السلطان محمد ، و أقيم بعده ابنه محمود و له أربع عشرة سنة .
و في سنة اثنتي عشرة مات الخليفة المستظهر بالله في يوم الأربعاء الثالث و العشرين
من ربيع الأول ، فكانت مدته خمساً و عشرين سنة ، و غسله ابن عقيل شيخ الحنابلة ، و
صلى عليه ابنه المسترشد ، و مات بعده بقليل جدته أرجوان والدة المقتدي .
قال الذهبي : و لا يعرف خليفة عاشت جدته بعده إلا هذا
، رأت ابنها خليفة ، ثم ابن ابنها ، ثم ابن ابن ابنها ، و من شعر المستظهر :
أذاب حر الهوى في القلب ما جمدا لما مددت إلى رسم الوداع
يداً
و كيف أسلك نهج الاصطبار و قد أرى طرائق في مهوى الهوى
قددا
إن كنت أنقص عهد الحب يا سكني من بعد هذا فلا عاينتكم
أبداً
و للصارم البطائحي مدحاً :
أصبحت بالمستظهر بن المقتدي بالله بن القائم بن القادر
مستعصماً أرجو نوال أكفه و بأن يكون على العشيرة ناصري
فوقع المستظهر بجائزتين : بخير بين الصلة و الانحدار ، و المقام و الإدرار . و قال
السفلي : قال لي أبو الخطاب بن الجراح : صليت
بالمستظهر في رمضان ، فقرأت : إن ابنك سرق رواية رويناها
عن الكسائي ، فلما سلمت قال : هذه قراءة حسنة فيها
تنزيه أولاد الأنبياء عن الكذب .
مات في أيامه من الأعلام : أبو المظفر السمعاني ، و نصر
المقدمي ، و أبو الفرج و شيذلة ، و الروياني ، و الخطيب التبريزي ، و الكيا الهراسي
، و الغزالي ، و الشاشي الذي صنف كتاب الحلية و
سماه [ المستظهري ] ، و الأبيودري اللغوي . |
|
|