البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

المكتبـــــة العـــــامـــه

الخــلافـــة العبــاســـــيـة

 

القرن الثاني
القرن الثالث
القرن الرابع

القرن الخامس

القرن السادس
القرن السابع
القرن الثامن
نبذة عن بالأندلس
الدولة العبيدية
دولة بني طبابا
الدولة الطبرستانية
الفتن في كل قرن

المعتصم  الواثق بالله  المتوكل على الله المنتصر بالله
 المستعين بالله  المعتز بالله المهتدي بالله  المعتمد على الله
المعتضد بالله المكتفي بالله    

   المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بن الرشيد 232 هـ ـ 247 هـ
المتوكل على الله : جعفر أبو الفضل بن المعتصم بن الرشيد ، أمه أم ولد اسمها شجاع ، ولد سنة خمس ـ و قيل : سبع ـ و مائتين ، و بويع له في ذي الحجة سنة اثنتين و ثلاثين و مائتين ، بعد الواثق ، فأظهر الميل إلى السنة ، و نصر أهلها ، و رفع المحنة ، و كتب بذلك إلى الآفاق ، و ذلك في سنة أربع و ثلاثين ، و استقدم المحدثين إلى سامرا ، و أجزل عطاياهم و أكرمهم ، و أمرهم بأن يحدثوا بأحاديث الصفات و الرؤية و جلس أبو بكر بن أبي شيبة في جامع الرصافة ، فاجتمع إليه نحو من ثلاثين ألف نفس ، و جلس أخوه عثمان في جامع المنصور ، فاجتمع إليه أيضاً نحو من ثلاثين ألف نفس ، و توفر دعاء الخلق للمتوكل ، و بالغوا في الثناء عليه و التعظيم له ، حتى قال قائلهم : الخلفاء ثلاثة : أبو بكر الصديق رضي الله عنه في قتل أهل الردة ، و عمر بن عبد العزيز في رد المظالم ، و المتوكل في إحياء السنة و إماتة التجهم ، و قال أبو بكر بن الخبازة في ذلك :
و بعد فإن السنة اليوم أصبحت       معززة حتى كأن لم تذلل
تصول و تسطو إذ أقيم منارها       وحط منار الإفك و الزور من عل
و ولى أخو الإبداع في الدين هارباً      إلى النار يهوي مدبراً غير مقبل
شفى الله منهم بالخليفة جعفر       خليفته ذي السنة المتوكل
خليفة ربي و ابن عم نبيه       و خير بني العباس من منهم ولي
و جامع شمل الدين بعد تشتت       و فاري رؤوس المارقين بمنصل
أطال لنا رب العباد بقاءه       سليماً من الأهوال غير مبدل
و بوأه بالنصر للدين جنة       يجاور في روضاتها خير مرسل
و في هذه السنة أصاب ابن أبي دؤاد فالج صيره حجراً ملقى ، فلا آجره الله .
و من عجائب هذه السنة أنه هبت ريح بالعراق شديدة السموم ، و لم يعهد مثلها ، أحرقت زرع الكوفة ، و البصرة ، و بغداد ، و قتلت المسافرين و دامت خمسين يوماً ، و اتصلت بهمذان ، و أحرقت الزرع و المواشي ، و اتصلت بالموصل و سنجار ، و منعت الناس من المعاش في الأسواق ، و من المشي في الطرقات ، و أهلكت خلقاً عظيماً .
و في السنة التي قبلها جاءت زلزلة مهولة بدمشق ، سقطت منها دور ، و هلك تحتها خلق ، وامتدت إلى أنطاكية فهدمتها ، و إلى الجزيرة فأحرقتها ، و إلى الموصل فيقال : هلك من أهلها خمسون ألفاً .
و في سنة خمس و ثلاثين ألزم المتوكل كل النصارى بلبس الغل .
و في سنة ست و ثلاثين أمرهم بهدم قبر الحسين ، و هدم ما حوله من الدور ، و أن يعمل مزارع ، و منع الناس من زيارته و خرب و بقي صحراء ، و كان المتوكل معروفاً بالتعصب ، فتألم المسلمون من ذلك ، و كتب أهل بغداد شتمه على الحيطان و المساجد ، و هجاه الشعراء ، فمما قيل في ذلك :
بالله إن كانت أمية قد أتت       قتل ابن بنت نبيها مظلوما
فلقد أتاه بنو أبيه بمثله       هذا لعمري قبره مهدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا في قتله فتتبعوه رميما
و في سنة سبع و ثلاثين بعث إلى نائب مصر أن يحلق لحية قاضي القضاة بمصر : أبي بكر محمد بن أبي الليث ، و أن يضربه ، و يطوف به على حمار ، ففعل ـ و نعم ما فعل ـ فإنه كان ظالماً من رؤوس الجهمية ، و ولي القضاء بدله الحارث بن سكين من أصحاب مالك ، بعد تمنع ، و أهان القاضي المعزول بضربه كل يوم عشرين سوطاً ليرد الظلمات إلى أهلها .
و في هذه السنة ظهرت نار بعسقلان ، أحرقت البيوت و البيادر ، و لم تزل تحرق إلى ثلث الليل ثم كفت .
و في سنة ثمان و ثلاثين كبست الروم دمياط ، و نهبوا ، و أحرقوا ، و سبوا منها ستمائة امرأة ، و ولوا مسرعين في البحر .
و في سنة أربعين سمع أهل خلاط صيحة عظيمة من جو السماء ، فمات منها خلق كثير و وقع برد بالعراق كبيض الدجاج ، و خسف بثلاث عشر قرية بالمغرب .
و في سنة إحدى و أربعين ماجت النجوم في السماء ، و تناثرت الكواكب كالجراد أكثر الليل ، و كان أمراً مزعجاً لم يعهد .
و في سنة اثنتين و أربعين زلزلت الأرض زلزلة عظيمة بتونس ، و أعمالها ، و الري ، و خراسان ، و نيسابور ، و طبرستان ، و أصبهان ، و تقطعت الجبال ، و تشققت الأرض بقدر ما يدخل الرجل في الشق ، و رجمت قرية السويداء بناحية مصر من السماء ، و وزن حجر من الحجارة فكان عشرة أرطال ، و سار جبل باليمن عليه مزارع لأهله حتى أتى مزارع آخرين ، و وقع بحلب طائر أبيض دون الرخمة في رمضان فصاح : يا معشر الناس اتقوا الله ، الله ، الله ، و صاح أربعين صوتاً ثم طار و جاء من الغد ففعل كذلك ، و كتب البريد بذلك ، و أشهد عليه خمسمائة إنسان سمعوه .
و فيها حج من البصرة إبراهيم بن مطهر الكاتب على عجلة تجرها الإبل ، و تعجب الناس من ذلك .
و في سنة ثلاث و أربعين قدم المتوكل دمشق ، فأعجبته ، و بنى له القصر بداريا ، و عزم على سكناها ، فقال يزيد بن محمد المهلبي :
أظن الشام تشمت بالعراق       إذا عزم الإمام على انطلاق
فإن تدع العراق و ساكنيه       فقد تبلى المليحة بالطلاق
فبدا له و رجع بعد شهرين أو ثلاثة .
و في سنة أربع و أربعين قتل المتوكل يعقوب بن السكيت الإمام في العربية فإنه ندبه إلى تعليم أولاده ، فنظر المتوكل يوماً إلى ولديه المعتز و المؤيد فقال لابن السكيت : من أحب إليك هما أو الحسن و الحسين ؟ فقال : قنبر ـ يعني مولى علي ـ خير منهما ، فأمر الأتراك فداسوا بطنه حتى مات ، و قيل : أمر بسل لسانه و أرسل إلى ابنه بديته ، و كان المتوكل رافضياً .
و في سنة خمس و أربعين عمت الزلازل الدنيا ، فأخربت المدن و القلاع و القناطر ، و سقط من أنطاكية جبل في البحر ، و سمع من السماء أصواتاً هائلة ، و زلزلت مصر ، و سمع أهل بلبيس من ناحية مصر صيحة هائلة ، فمات خلق من أهل بلبيس ، و غارت عيون مكة ، فأرسل المتوكل مائة ألف دينار لإجراء الماء من عرفات إليها ، و كان المتوكل جواداً ممدحاً ، يقال : ما أعطى خليفة شاعراً ما أعطى المتوكل ، و فيه يقول مروان بن أبي الجنوب :
فأمسك ندى كفيك عني و لا تزد       فقد خفت أن أطغى و أن أتجبرا
فقال : لا أمسك حتى يغرقك جودي ، و كان أجازه على قصيدة بمائة ألف و عشرين ألفاً .
و دخل عليه علي بن الجهم يوماً و بيديه درتان يقلبهما ، فأنشده قصيدة له ، فرمى إليه بدرة ، فقلبها ، فقال : تستنقص بها و هي و الله خير من مائة ألف ، و لكني فكرت في أبيات أعملها آخذ بها الأخرى ، فقال : قل ، فقال :
بسر من را إمام عدل       تغرف من بحره البحار
الملك فيه و في بنيه       ما اختلف الليل و النهار
يرجى و يخشى لكل خطب كأنه جنة و نار
يداه في الجود ضرتان       عليه كلتاهما تغار
لم تأت منه اليمين شيئاً       إلا أتت مثلها اليسار
فرمى إليه بالدرة الأخرى .
قال بعضهم : سلم على المتوكل بالخلافة ثمانية كل واحد منهم أبوه خليفة : منصور بن المهدي و العباس بن الهادي ، و أبو أحمد بن الرشيد ، و عبد الله بن الأمين ، و موسى بن المأمون ، و أحمد بن المعتصم ، و محمد بن الواثق ، و ابنه المنتصر .
و قال المسعودي : لا يعلم أحد متقدم في جد و لا هزل إلا و قد حظي في دولته ، و وصل إليه نصيب وافر من المال و كان منهمكاً في اللذات و الشراب ، و كان له أربعة آلاف سرية و وطئ الجميع .
وقال علي بن الجهم : كان المتوكل مشغوفاً بقبيحة أم ولده المعتز لا يصبر عنها ، فوقفت له يوماً ـ و قد كتبت على خديها بالغالية جعفراً ـ فتأملها و أنشأ يقول :
و كاتبه بالمسك في الخد جعفرا       بنفسي محط المسك من حيث أثرا
لئن أودعت سطراً من المسك خدها       لقد أودعت قلبي من الحب أسطرا
و في كتاب المحن للسلمي أن ذا النون أول من تكلم بمصر في ترتيب الأحوال و مقامات أهل الولاية ، فأنكر عليه عبد الله بن عبد الحكم ـ و كان رئيس مصر ، و من جلة أصحاب مالك ـ و أنه أحدث علماً لم يتكلم فيه السلف ، و رماه بالزندقة ، فدعاه أمير مصر و سأله عن اعتقاده ، فتكلم، فرضي أمره و كتب به إلى المتوكل ، فأمر بإحضاره . فحمل على البريد ، فلما سمع كلامه أولع به و أحبه و أكرمه حتى كان يقول : إذا ذكر الصالحون فحيهلا بذي النون .
كان المتوكل بايع بولاية العهد لابنه المنتصر ، ثم المعتز ، ثم المؤيد ، ثم إنه أراد تقديم المعتز لمحبته لأمه ، فسأل المنتصر أن ينزل عن العهد ، فأبى ، فكان يحضره مجلس العامة و يحط منزلته و يتهدده و يشتمه و يتوعده ، و اتفق أن الترك انحرفوا عن المتوكل لأمور فاتفق الأتراك مع المنتصر على قتل أبيه فدخل عليه خمسة و هو في جوف الليل في مجلس لهوه ، فقتلوه هو و وزيره الفتح بن خاقان ، و ذلك في خامس شوال سنة سبع أربعين و مائتين .
و رئي في النوم فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي بقليل من السنة أحييتها ، و لما قتل رئته الشعراء ، و من ذلك قول يزيد المهلبي :
جاءت منيته و العين هاجعة       هلا أتته المنايا و القنا قصد
خليفة لم ينل ما ناله أحد       و لم يضع مثله روح و لا جسد
و كان من حظاياه وصيفة تسمى محبوبة شاعرة عالمة بصنوف العلم عوادة ، فلما قتل ضمت إلى بغا الكبير ، فأمر بها يوماً للمنادمة ، فجلست منكسة ، فقال : غني ، فاعتلت ، فأقسم عليها و أمر بالعود ، فوضع في حجرها ، فغنت ارتجالاً :
أي عيش يلذ لي       لا أرى فيه جعفرا ؟
ملك قد رأيته       في نجيع معفرا
كل من كان ذا هيا       م و سقم فقد برا
غير محبوبة التي       لو ترى الموت يشترى
لاشترته بماحـ       ـوته يداها لتقبرا
إن موت الحزين أط       ـيب من أن يعمرا
فغضب بغا ، و أمر بها فسجنت ، فكان آخر العهد بها .
و من الغرائب أن المتوكل قال للبحتري : قل شعراً و في الفتح بن خاقان ، فإني أحب أن يحيا معي ، و لا أفقده فيذهب عيشي ، و لا يفقدني ، فقل في هذا المعنى ، فقال :
يا سيدي كيف أخلفت وعدي       و تثاقلت عن وفاء بعهدي ؟
لا أرتني الأيام فقدك يا فت       ـح و لا عرفتك ما عشت فقدي
أعظم الرزء أن تقدم قبلي       و من الرزء أن تؤخر بعدي
حذراً أن تكون إلفا لغيري       إذ تفردت بالهوى فيك وحدي
فقتلا معاً كما تقدم .
و من أخبار المتوكل : أخرج ابن عساكر أن المتوكل رأى في النوم كأن سكراً سليماً نيئاً سقط عليه من السماء مكتوباً عليه جعفر المتوكل على الله ، فلما بويع خاض الناس في تسميته فقال بعضهم : نسميه المنتصر ، فحدث المتوكل أحمد بن أبي دؤاد بما رأى في منامه ، فوجده موافقاً فأمضى ، و كتب به إلى الآفاق .
و أخرج عن هشام بن عمار قال : سمعت المتوكل يقول : واحسرتا على محمد بن إدريس الشافعي ، كنت أحب أن أكون في أيامه فأراه و أشاهده ، و أتعلم منه ، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام و هو يقول : يا أيها الناس إن محمد بن إدريس المطلبي قد صار إلى رحمة الله و خلف فيكم علماً حسناً فاتبعوه تهدوا ، ثم قال : اللهم ارحم محمد بن إدريس رحمه واسعة ، و سهل على حفظ مذهبه ، و انفعني بذلك .
قلت استفدنا من أن المتوكل كان متمذهباً بمذهب الشافعي و هو أول من تمذهب له من الخلفاء .
و أخرج عن أحمد بن علي البصري قال : وجه المتوكل إلى أحمد بن المعدل و غيره من العلماء ، فجمعهم في داره ، ثم خرج عليهم ، فقام الناس كلهم له غير أحمد بن المعدل ، فقال المتوكل لعبيد الله : إن هذا لا يرى بيعتنا ، فقال له : بلى يا أمير المؤمنين ، و لكن في بصره سوءاً ، فقال أحمد بن المعدل : يا أمير المؤمنين ما في بصري سوء ، و لكن نزهتك من عذاب الله . قال النبي صلى الله عليه و سلم من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار فجاء المتوكل فجلس إلى جنبه .
و أخرج عن يزيد المهلبي قال : قال لي المتوكل : يا مهلبي ، إن الخلفاء كانت تتصعب على الرعية لتطيعها و أنا ألين لهم ليحبوني و يطيعوني .
و أخرج عن عبد الأعلى بن حماد النرسي قال : دخلت على المتوكل فقال : يا أبا يحيى ، ما أبطأك عنا ! منذ ثلاث لم نرك ، كنا هممنا لك بشيء ، فصرفناه إلى غيرك ، فقلت : يا أمير المؤمنين جزاك الله على هذا الهم خيراً ، ألا أنشدك بهذا المعنى بيتين ؟ قال : بلى ، فأنشدته :
لأشكرنك معروفاً هممت به       إن اهتمامك بالمعروف معروف
و لا ألومك إذا لم يمضه قدر       فالرزق بالقدر المحتوم مصروف
فأمر لي بألف دينار .
و أخرج عن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي قال : دخلت على المتوكل لما توفيت أمه ، فقال : يا جعفر ، ربما قلت البيت الواحد ، فإذا جاوزته خلطت ، و قد قلت :
تذكرت لما فرق الدهر بيننا       فندبت نفسي بالنبي محمد
فأجازه بعض من حضر المجلس بقوله :
و قلت لها : إن المنايا سبيلنا       فمن لم تمت في يومه مات في غد
و أخرج عن الفتح بن خاقان قال : دخلت يوماً على المتوكل ، فرأيته مطرقاً متفكراً ، فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذا الفكر ؟ فو الله ما ظهر على الأرض أطيب منك عيشاً ، و لا أنعم منك بالاً فقال : يا فتح أطيب عيشاً مني رجل له دار واسعة ، و زوجة صالحة ، و معيشة حاضرة ، لا يعرفنا فنؤذيه ، و لا يحتاج إلينا فنزدريه . و أخرج عن أبي العيناء قال : أهديت إلى المتوكل جارية شاعرة اسمها فضل ، فقال لها : أشاعرة أنت ؟ قالت : هكذا زعم من باعني و اشتراني ، فقال : أنشدينا شيئاً من شعرك ، فأنشدته :
استقبل الملك إمام الهدى       عام ثلاث و ثلاثينا
خلافة أفضت إلى جعفر       و هو ابن سبع بعد عشرينا
إنا لنرجو يا إمام الهدى       أن تملك الملك ثمانينا
لا قدس الله أمراً لم يقل       عند دعائي لك : آمينا
و أخرج عن علي بن الجهم قال : أهدي إلى المتوكل جارية يقال لها محبوبة ، قد نشأت بالطائف ، و تعلمت الأدب ، و روت الأشعار ، فأغري المتوكل بها ، ثم إنه غضب عليها ، و منع جواري القصر من كلامها ، فدخلت عليه يوماً ، فقال لي : قد رأيت محبوبة في منامي كأني قد صالحتها ، فقلت : خيراً يا أمير المؤمنين ، فقال : قم بنا للنظر ما هي عليه ، فقمنا حتى أتينا حجرتها ، فإذا هي تضرب على العود و تقول :
أدور في القصر لا أرى أحداً       أشكو إليه و لا يكلمني
حتى كأني أتيت معصيةً       ليست لها توبة تخلصني
فهل شفيع لنا إلى ملك       قد زارني في الكرى و صالحني
حتى إذا ما الصباح لاح لنا       عاد إلى هجرة فصارمني
فصاح المتوكل ، فخرجت ، فأكبت على رجليه تقبلهما ، فقالت : يا سيدي رأيتك في ليلتي هذه كأنك قد صالحتني ، قال : و أنا و الله قد رأيتك ، فردها إلى مرتبتها ، فلما قتل المتوكل صارت إلى بغا ، و ذكر الأبيات السابقة .
و أخرج عن علي أن البحتري قال يمدح المتوكل فيما رفع من المحنة ، و يهجو ابن أبي دؤاد بقوله :
أمير المؤمنين لقد شكرنا       إلى آبائك الغر الحسان
رددت الدين فذا بعد أن قد       أراه فرقتين تخاصمان
قصمت الظالمين بكل أرض       فأضحى الظلم مجهول المكان
و في سنة رمت متجبريهم       على قدر بداهية عيان
فما أبقت من ابن أبي دؤاد       سوى حسد يخاطب بالمعاني
تحير فيه سابور بن سهل       فطاوله و مناه الأماني
إذا أصحابه اصطحبوا بليل       أطالوا الخوض في خلق القران
و أخرج عن أحمد بن حنبل قال : سهرت ليلة ثم نمت ، فرأيت في نومي كأن رجلاً يعرج بي إلى السماء ، و قائلاً يقول :
ملك يقاد إلى مليك عادل       متفضل في العفو ليس بجائر
ثم أصبحنا فجاء نعي المتوكل من [ سر من رأى ] إلى بغداد .
و أخرج عن عمرو بن شيبان الجهني قال : رأيت في الليلة التي قتل فيها المتوكل في المنام قائلاً يقول :
يا نائم العين في أوطار جسمان       أفض دموعك يا عمرو بن شيبان
أما ترى الفئة الأرجاس ما فعلوا       بالهاشمي و بالفتح بن خاقان ؟
وافى إلى الله مظلوماً تضج له       أهل السموات من مثنى و وحدان
و سوف يأتيكم أخرى مسومة       توقعوا لها شأن من الشان
فابكوا على جعفر و ارثوا خليفتكم       فقد بكاه جميع الإنس و الجان
ثم رأيت المتوكل في النوم بعد أشهر ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي بقليل من السنة أحييتها ، قلت : فما تصنع ههنا ؟ قال : أنتظر محمداً ابني أخاصمه إلى الله .
قال الخطيب : أخبرنا أبو الحسين الأهوازي ، حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم القاضي ، حدثنا محمد بن هارون الهاشمي ، حدثنا محمد بن شجاع الأحمر قال : سمعت المتوكل يحدث عن يحيى بن أكثم ، عن محمد بن عبد المطلب ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن موسى بن عبد الله بن يزيد ، عن عبد الرحمن بن هلال ، عن جرير بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من حرم الرفق حرم الخير أخرجه الطبراني في معجمه الكبير من وجه آخر عن جرير .
و قال ابن عساكر : أخبرنا نصر بن أحمد بن مقاتل السوسي ، حدثنا جدي أبو محمد ، حدثنا أبو علي الحسين بن علي الأهوازي ، حدثنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد الأزدي ، حدثنا أبو الطيب محمد بن جعفر بن داران غندر ، حدثنا هارون بن عبد العزيز بن أحمد العباسي ، حدثنا أحمد بن الحسن المقرىء البزار ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن عيسى الكسائي و أحمد بن زهير و إسحاق بن إبراهيم بن إسحاق ، فقالوا : حدثنا علي بن الجهم قال : كنت عند المتوكل فتذاكروا عنده الجمال ، فقال : إن حسن الشعر لمن الجمال ، ثم قال : حدثني المعتصم ، حدثني المأمون ، حدثنا الرشيد ، حدثنا المهدي ، حدثنا المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال : كانت لرسول الله صلى الله عليه و سلم جمة إلى شحمة أذنيه كأنها نظام اللؤلؤ ، و كان من أجمل الناس ، و كان أسمر رقيق اللون ، لا بالطويل و لا بالقصير ، و كان لعبد المطلب جمة إلى شحمة أذنيه ، و كان لهاشم جمة إلى شحمة أذنيه ، قال علي بن الجهم : و كان للمتوكل جمة إلى شحمة أذنيه ، و قال لنا المتوكل : كان للمعتصم جمة ، و كذلك للمأمون ، و الرشيد و المهدي ، و المنصور ، ولأبيه محمد ، و لجده علي ، و لأبيه عبد الله بن عباس .
قلت : هذا الحديث مسلسل من ثلاثة أوجه بذكر الجمة و الآباء و بالخلفاء ، ففي إسناده ست خلفاء .
مات في أيام خلافة المتوكل من الأعلام : أبو ثور ، و الإمام أحمد بن حنبل ، و إبراهيم بن المنذر الخزامي ، و إسحاق بن راهوية النديم ، و روح المقرىء ، و زهير بن حرب ، و سحنون ، و سليمان الشاذكوني ، و أبو مسعود العسكري ، و أبو جعفر النفيلي ، و أبو بكر بن أبي شيبة ، و أخوه ، وديك الجن الشاعر ، و عبد الملك بن حبيب إمام المالكية ، و عبد العزيز بن يحيى الغول أحد أصحاب الشافعي ، و عبيد الله بن عمر القواريري ، و علي بن المديني ، و محمد بن عبد الله بن نمير ، و يحيى بن معين ، و يحيى بن بكير ، و يحيى بن يحيى ، و يوسف الأزرق المقرىء ، و بشر بن الوليد الكندي المالكي ، و ابن أبي دؤاد ذاك الكلب لا رحمه الله ، و أبو بكر الهذلي العلاف شيخ الاعتزال و رأس أهل الضلال ، و جعفر بن حرب من كبار المعتزلة ، و ابن كلاب المتكلم ، و القاضي يحيى بن أكثم ، و الحارث المحاسبي ، و حرملة صاحب الشافعي ، و ابن السكيت ، و أحمد بن منيع ، و ذم النون المصري الزاهد ، و أبو تراب النخشبي ، و أبو عمر الدوري المقرىء ، و دعبل الشاعر ، و أبو عثمان المازني النحوي ، و خلائق آخرون .      

 
 
 

يتبع لطفا"

 
 
 
 

 

.Powered by Braaum Modern Programming Est

Copy©2001 aslmna.com All Rights reserved webmaster@aslmna.com   .