البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

المكتبـــــة العـــــامـــه

الخــلافـــة العبــاســـــيـة

 

القرن الثاني
القرن الثالث
القرن الرابع

القرن الخامس

القرن السادس
القرن السابع
القرن الثامن
نبذة عن بالأندلس
الدولة العبيدية
دولة بني طبابا
الدولة الطبرستانية
الفتن في كل قرن

الناصر لدين الله الظاهر بأمر الله المستنصر بالله المستعصم عبد الله
المستنصر بالله أحمد لحاكم بأمر الله  شرح حال التتاروقائعهم  

   شرح حال التتار ، و وقائعهم
قال الموفق عبد اللطيف في خبر التتار : هو حديث يأكل الأحاديث ، و خبر يطوي الأخبار ، و تاريخ ينسي التواريخ ، و نازلة تصغر كل نازلة ، و فادحة تطبق الأرض ، و تملؤها ما بين الطول و العرض .
و هذه الأمة لغتهم مشوبة بلغة الهند ، لأنهم في جوارهم ، و بينهم و بين مكة أربعة أشهر ، و هم بالنسبة إلى الترك عراض الوجوه ، و اسعوا الصدور ، خفاف الأعجاز ، صغار الأطراف ، سمر الألوان ، سريعو الحركة في الجسم و الرأي ، تصل إليهم أخبار الأمم ، و لا تصل أخبارهم إلى الأمم ، و قلما يقدر جاسوس أن يتمكن منهم ، لأن الغريب لا يتشبه بهم ، و إذا أرادوا جهة كتموا أمرهم ، و نهضوا دفعة واحدة ، فلا يعلم بهم أهل بلد حتى يدخلوه ، و لا عسكر حتى يخالطوه ، فلهذا تفسد على الناس وجوه الحيل ، و تضيق طرق الهرب ، و نساؤهم يقاتلن كرجالهم ، و الغالب على سلاحهم النشاب ، و أكلهم أي لحم و جد ، و ليس في قتلهم استسناء و لا إبقاء ، يقتلون الرجال و النساء و الأطفال ، و كان قصدهم إفناء النوع ، و إبادة العالم ، و لا قصد الملك و المال .
و قال غيره : أرض التتار بأطراف بلاد الصين ، و هم سكان براري ، و مشهورون بالشر و الغدر .
و سبب ظهورهم أن إقليم الصين متسع دوره ستة أشهر ، و ست مماليك ، و لهم ملك حاكم على المماليك الست هو القان الأكبر المقيم بمطمفاج ، و هو كالخليفة للمسلمين .
و كان سلطان إحدى المماليك الست و هو [ دوش خان ] قد تزوج بعمة جنكزخان ، فحضر زائراً لعمته ، و قد مات زوجها . و كان قد حضر مع جنكزخان كشلوخان ، فأعلمتها أن الملك لم يخلف والداً ، أشارت على ابن أخيها أن يقوم مقامه ، فقام ، و انضم إليه خلق من المغول . ثم سير التقادم إلى القان الأكبر ، فاستشاط غيظاً ، و أمر بقطع أذناب الخيل التي أهديت ، و طردها ، و قتل الرسل ، لكون التتار لم يتقدم لهم سابقة يتملك ، إنما هم بادية الصين ، فلما سمع جنكزخان و صاحبه كشلوخان تحالفا على التعاضد و أظهرا الخلاف للقان و أتتها أمم كثيرة من التتار ، و علم القان قوتهم و شرهم فأرسل يؤانسهم و يظهر مع ذلك أن ينذرهم و يهددهم ، فلم يغن ذلك شيئاً ، ثم قصدهم و قصدوه ، فوقع بينهم ملحمة عظيمة ، فكسروا القان الأعظم ، و ملكوا بلاده ، و استفحل شرهم ، و ستمر الملك بين جنكزخان و كشلوخان على المشاركة .
ثم سار إلى بلاد شاقون من نواحي الصين فملكاها ، فمات كشلوخان ، فقام مقامه ولده ، فاستضعفه جنكزخان ، فوثب عليه ز ظفر به ، و استقل جنكزخان ، و دانت له التتار ، و انقادت له و اعتقدوا فيه الإلهية ، و بالغوا في طاعته . ثم كان أول خروجهم في سنة ست و ستمائة من بلادهم إلى نواحي الترك و فرغانة ، فأرسل خوارزم شاه محمد بن تكش صاحب خراسان الذي أباد الملوك و أخذ المماليك و عزم على قصد الخليفة ، فلم يتهيأ كما تقدم ، فأمر أهل فرغانة و الشاش و كاسان و تلك البلاد النزهة العامرة بالجلاء و الجفلى إلى سمرقند و غيرها ، ثم خربها جميعاً خوفاً من التتار أن يملكوها ، لعلمه أنه لا طاقة له بهم .
ثم صارت التتار يتخطفون و ينتقلون إلى سنة خمس عشرة ، فأرسل فيها جنكزخان إلى السلطان خوارزم شاه رسلاً و هدايا ، و قال الرسول : إن القان الأعظم يسلم عليك و يقول لك : ليس يخفى علي عظم شأنك ، و ما بلغت من سلطانك و نفوذ حكمك على الأقاليم ، و أنا أرى مسالمتك من جملة الواجبات ،و أنت عندي مثل أعز أولادي ، و غير خاف عنك أنني تملكت الصين ، و أنت أخبر الناس ببلادي ، و أنها مثارات العساكر و الخيول ، و معادن الذهب و الفضة ، و فيها كفاية عن غيرها ، فإن رأيت أن تعقد بيننا المودة ، و تأمر التجار بالسفر لتعلم المصلحتين فعلت ، فأجابه خوارزم شاه إلى ملتمسه ، و بشر جنكزخان بذلك ، و استمر الحال على المهادنة إلى أن وصل من بلاده تجار .
و كان خال خوارزم شاه ينوب على بلاد ما وراء النهر ، و معه عشرون ألف فارس ، فشرهت نفسه إلى أموال التجار ، و كانت السلطان يقول : إن هؤلاء القوم قد جاؤوا بزي التجار ، و ما قصدهم إلا التجسس ، فإن أذنت لي فيهم ، فأذن له بالاحتياط عليهم ، فقبض عليهم و أخذ أموالهم ، فوردت رسل جنكزخان إلى خوارزم شاه تقول : إنك أعطيت أمانك التجار فغدرت ، و الغدر قبيح ، و هو سلطان الإسلام أقبح ، فإن زعمت أن الذي فعله خالك بغير أمرك فسلمه إلينا ، و إلا سوف تشاهد مني ما تعرفني به ، فحصل عند خوارزم شاه من الرعب ما خامر عقله ، فتلجد ، و أمر بقتل الرسل ، فقتلوا .
فيالها من حركة لما أهدرت من دماء المسلمين و أجرت بكل نقطة سيلاً من الدم .
ثم سار جنكزخان إليه ، فانجفل خوارزم شاه عن جيحون إلى نيسابور . ثم ساق إلى برج همذان رعباً من التتار ، فأحدق به العدو ، فقتلوا كل من معه ، و نجا هو بنفسه ، فخاض الماء إلى جزيرة ، و لحقته علة ذات الجنب ، فمات بها وحيداً فريداً ، و كفن في شاش فراش كان معه ،و ذلك في سنة سبع عشرة ، و ملكوا جميع مملكة خوارزم شاه .
قال سبط ابن الجوزي : كان أول ظهور التتار بما وراء النهر سنة خمس عشرة ، فأخذوا بخارى و سمرقند ، قتلوا أهلها ، و حاصروا خوارزم شاه ، ثم بعد ذلك عبروا النهر و كان خوارزم شاه قد أباد الملوك من مدن خراسان فلم تجد التتار أحداً في وجههم ، فطاروا في البلاد قتلاً و سبياً ، و ساقوا إلى أن وصلوا همذان و قزوين في هذه السنة .
و قال ابن الأثير في كامله : حادثة التتار من الحوادث العظمى ، و المصائب الكبرى ، التي عقمت الدهور عن مثلها ، عمت الخلائق ، و خصت المسلمين . فلو قال قائل : إن العلم منذ خلقه الله تعالى إلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقاً ، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها .
و من أعظم ما يذكرون فعل بختنصر ببني إسرائيل بالبيت المقدس ، و ما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعين من مدن الإسلام ؟ و ما بنو إسرائيل بالنسبة إلى ما قتلوا ؟
فهذه الحادثة التي استطار شرها ، و عم ضررها ، و سادت في البلاد كالسحاب استدبرته الريح ، فإن قوماً خرجوا من أطراف الصين ، فقصدوا بلاد تركستان مثل كاشغر و بلاد شاغرق ثم منهم إلى بخارى و سمرقند فيملكونها ، و يبيدون أهلها ، ثم تعبر طائفة منهم إلى خراسان ، فيفرغون منها هلكاً و تخريباً و قتلاً و إبادة ، و إلى الري و هذان إلى حد العراق ، ثم يقصدون آذربيجان و نواحيها ، و يخربونها و يستبيحونها في أقل من سنة ـ أمر لم يسمع بمثله ، ثم ساروا من آذربيجان إلى دربند شروان ، فملكوا مدنها و عبروا من عندها إلى بلاد اللن ، و اللكز ، فقتلوا و أسروا ، ثم قصدوا بلاد فقجاق ، و هم أكثر من الترك عدداً ، فقتلوا من وقف ، و هرب الباقون ، و استولى التتار عليها .
و مضت طائفة آخرى غير هؤلاء إلى غزنة و أعمالها ، و سجستان ، و كرمان ، ففعلوا مثل هؤلاء ، بل أشد . هذا لم يطرق الأسماع مثله ، فإن الإسكندر الذي ملك الدنيا لم يملكها في هذه السرعة ، و إنما ملكها في نحو عشر سنيين ، و لم يقتل أحداً ، و إنما رضي بالطاعة ، و هؤلاء قد ملكوا أكثر المعمور من الأرض و أحسنه و أعمره في نحو سنة ، و لم يبق أحد في البلاد التي لم يطرقوها إلا و هو خائف يترقب وصولهم إليه .
ثم إنهم لم يحتاجوا إلى ميرة ، و مددهم يأتيهم ، فإنهم معهم الأغنام و البقر و الخيل يأكلون لحومها ، لا غير .
و أما خيلهم فإنها تحفر الأرض بحوافرها ، و تأكل عروق النبات ، و لا تعرف الشعير .
و أما ديانتهم فإنهم يسجدون للشمس عند طلوعها ، و لا يحرمون شيئاً ، و يأكلون جمع الدواب ، و بني آدم ، و لا يعرفون نكاحاً ، بل المرأة يأتيها غير واحد . و لما دخلت سنة ست و خمسين وصل التتار إلى بغداد ، و هم مائتا ألف ، و يقدمهم هلاكو ، فخرج إليهم عسكر الخليفة ، فهزم العسكر .
و دخلوا بغداد يوم عاشوراء ، فأشار الوزير لعنه الله على المستعصم بمصانعتهم و قال : أخرج إليهم أنا في تقرير الصلح ظن فخرج و توثق بنفسه منهم ، و ورد إلى الخليفة ، و قال : إن الملك قد رغب في أن يزوج ابنته بإبنك الأمير أبي بكر و يبقيك في منصب الخلافة كما أبقى صاحب الروم في سلطنته ، و لا يريد إ لا أن تكون الطاعة كما كان أجدادك مع السلاطين السلجوقية ، و ينصرف عنك بجيوشه ، فليجب مولانا إلى هذا فإن فيه حقن دماء المسلمين ، و يمكن بعد ذلك أن تفعل ما تريد . و الرأي أن تخرج إليه ، فخرج إليه في جمع من الأعيان ، فأنزل في خيمة .
ثم دخل الوزير فاستدعى الفقهاء و الأماثل ليحضروا العقد ، فخرجوا من بغداد فضربت أعناقهم ، و صار كذلك : تخرج طائفة بعد طائفة فتضرب أعناقهم ، حتى قتل جميع من هناك من العلماء و الأمراء و الحجاب و الكبار .
ثم مد الجسر ، و بذل السيف في بغداد ، و استمر القتال فيها نحو أربعين يوماً ، فبلغ القتلى أكثر من ألف ألف نسمة ، و لم يسلم إلا من اختفى في بئر أو قناة ، و قتل الخليفة رفساً .
قال الذهبي : و ما أظنه دفن ، و قتل معه جماعة من أولاده و أعمامه ، و أسر بعضهم ، و كانت بلية لم يصب الإسلام بمثلها ، و لم يتم للوزير ما أراد ، و ذاق من التتار الذل و الهوان ، و لم تطل أيامه بعد ذلك ، و عملت الشعراء قصائد في مرائي بغداد و أهلها ، و تمثل بقول سبط التعاويذي :
بادت و أهلوها معاً فبيوتهم       ببقاء مولانا الوزير خراب
و قال بعضهم :
يا عصبة الإسلام نوحي و اندبي       حزناً على ما تم للمستعصم
دست الوزارة كان قبل زمانه       لابن الفرات فصار لابن العلقمي
و كان آخر خطبة خطبت ببغداد . قال الخطيب في أولها : الحمد لله الذي هدم بالموت مشيد الأعمار ، و حكم بالفناء على أهل هذه الدار هذا و السيف قائم بها .
و لتقي الدين أبي اليسر قصيدة مشهورة في بغداد ، و هي هذه :
لسائل الدمع عن بغداد أخبار       فما وقوفك و الأحباب قد ساروا
يا زائرين إلى الزوراء لا تفدوا       فما بذاك الحمى و الدار ديار
تاج الخلافة و الربع الذي شرفت      به المعالم قد عفاه إفقار
أضحى لعصف البلى في ربعه أثر و للدموع على الآثار آثار
يا نار قلبي من نار لحرب وغى       شبت عليه و وافى الربع إعصار
علا الصليب على أعلى منابرها       و قام بالأمر من يحويه زنار
و كم حريم سبته الترك غاصبة ؟       و كان من دون ذاك الستر أستار
و كم بدور على البدرية انخسفت ؟ و لم يعد لبدور منه إبدار
و كم دخائر أضحت و هي شائعة ؟ من النهاب و قد حازته كفار
و كم حدود أقيمت من سيوفهم ؟       على الرقاب و حطت فيه أوزار
ناديت و السبي مهتوك تجر بهم       إلى السفاح من الأعداء دعار
و لما فرغ هلاكو من قتل الخليفة و أهل بغداد ، و أقام على العراق نوابه ، و كان ابن العلقمي حسن لهم أن يقيموا خليفة علوياً ، فلم يوافقوه و اطرحوه ، و صار معهم في صورة بعض الغلمان ، و مات كمداً لا رحمه الله و لا عفا عنه .
ثم أرسل هلاكو إلى الناصر صاحب دمشق كتاباً صورته : يعلم السلطان الملك الناصر طال يقاؤه أنه لما توجهنا العراق و خرج إلينا جنودهم ، فقتلناهم بسيف الله ، ثم خرج إلينا رؤساء البلد و مقدموها ، فكان قصارى كلامهم سبباً لهلاك نفوس تستحق الإهلاك ، و أما ما كان من صاحب البلدة فإنه خرج إلى خدمتنا ، و دخل تحت عبوديتنا ، فسألناه عن أشياء كذبنا فيها ، فاستحق الإعلام ، و كان كذبه ظاهراً و وجدوا ما عملوا حاضراً ، و أجب ملك البسيطة و لا تقولن : قلاعي المانعات ، و رجالي المقاتلات ، و قد بلغنا أن شذرة من العسكر التجأت إليك هاربة ، و إلى جنابك لائذة :
أين المفر و لا مفر لهارب       و لنا البسيطان الثرى و الماء
فساعة وقوفك على كتابنا تجعل قلاع الشام سماءها أرضاً ، و طولها عرضاً ، و السلام .
ثم أرسل له كتاباً ثانياً يقول فيه : خدمة ملك ناصر طال عمره أما بعد : فإنا فتحنا بغداد ، و استأصلنا و ملكها ، و كان قد ظن ـ و قد فتن الأموال ، و لم ينافس في الرجال ـ أن ملكه يبقى على ذلك الحال ، و قد علا ذكره و نمى قدره ، فخسف في الكمال بدره :
إذا تم أمر بدا نفصه       توقع زوالاً إذا قيل تم
و نحن في طلب الازدياد ، على ممر الآباد ، فلا تكن كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، و أبد ما في نفسك : إما إمساك بمعوف ، أو تسريح بإحسان ، و أجب دعوة ملك البسيطة تأمن شره ، و تنل بره ، واسع بأموالك و رجالك ، و لا تعوق رسلنا ، و السلام .
ثم أرسل إليه كتاباً ثالثاً يقول فيه : أما بعد : فنحن جنود الله ، بنا ينتقم ممن عتا و تجبر ، و طغى و تكبر ، و بأمر الله ما ائتمر ، إن عوتب تنمر ، و إن روجع استمر ، و نحن قد أهلكنا البلاد ، و أبدنا العباد ، و قتلنا النسوان و الأولاد ، فيا أيها الباقون ، أنتم بمن مضى لا حقون ، و يا أيها الغافلون ، أنتم إليهم تساقون ، نحن جيوش الهلكة ، لا جيوش الملكة ، مقصودنا الانتقام ، و ملكنا لا يرام ، و نزيلنا لا يضام ، و عدلنا في ملكنا قد اشتهر ، و من سيوفنا أين المفر :
أين المفر و لا مفر لهارب       و لنا البسيطان الثرى و الماء
ذلت لهيبتنا الأسود ، و أصبحت في قبضتي الأمراء و الخلفاء
و نحن إليكم صائرون ، ولكم الهرب ، و علينا الطلب :
ستعلم ليلى أي دين تداينت ؟       و أي غريم بالتقاضي غريمها ؟
دمرنا البلاد ، و أيتمنا الأولاد ، و أهلكنا العباد ، و أذقناهم العذاب ، و جعلنا عظيمهم صغيراً ، و أميرهم أسيراً ، تحسبون أنكم منا ناجون أو متخلصون ، و عن قليل سوف تعلمون على ما تقدمون ، و قد اعذر من أنذر .
ثم دخلت سنة سبع و خمسين و الدنيا بلا خليفة .
و فيها نزل التتار على آمد ، و كان صاحب مصر المنصور علي بن المعز صبياً ، و أتابكه الأمير سيف الدين قطز المعزي مملوك أبيه ، و قدم الصاحب كمال الدين بن العديم إليهم رسولاً يطلب النجدة على التتار ، فجمع قطز الأمراء و الأعيان ، فحضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام ـ و كان المشار إليه في الكلام ـ فقال الشيخ عز الدين : إذا طرق العدو البلاد وجب على العلم كلهم قتالهم ، و جاز أن يؤخذ من الرعية ما يستعان به على جهازهم ، بشرط أن لا يبقى في بيت المال شيء ، و أن تبيعوا ما لكم من الحوائص و الآلات ، و يقتصر كل منكم على فرسه و سلاحه ، و تتساور في ذلك أنتم و العامة ، و أما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي الجند من الأموال و الآلات الفاخرة فلا .
ثم بعد أيام قبض قطز على ابن أستاذه المنصور ، و قال : هذا صبي ، و الوقت صعب ، و لا بد أن يقوم رجل شجاع ينتصب للجهاد ، و تسلطن قطز و لقب بـ [ الملك المظفر ] .
ثم دخلت سنة ثمان و خمسين ، و الوقت أيضاً بلا خليفة .
و فيها قطع التتار الفرات ، و وصلوا إلى حلب ، و بذلوا السيف فيها ثم وصلوا إلى دمشق و خرج المصريون في شعبان متوجهين إلى الشام لقتال التتار ، فأقبل المظفر بالجيوش و شاليشه ركن الدين بيبرس البندقداري ، فالتقوا هم و التتار عند عين جالوت ، و وقع المصاف ، و ذلك يوم الجمعة خامس عشر رمضان، فهزم التتار شر هزيمة ، و انتصر المسلمون و لله الحمد ، و قتل من التتار مقتلة عظيمة ، و ولوا الأدبار ، و طمع الناس فيهم يتخطفونهم و ينهبونهم ، و جاء كتاب المظفر إلى دمشق بالنصر ، فطار لناس فرحاً ، ثم دخل المظفر إلى دمشق مؤيداً منصوراً ، و أحبه الخلق غاية المحبة ، و ساق بيبرس وراء التتار إلى بلاد حلب و طردهم عن البلاد ، و وعده السلطان بحلب ، ثم رجع عن ذلك ، فتأثر بيبرس من ذلك ، و كان ذلك مبدأ الوحشة ، و كان المظفر عزم على التوجه إلى حلب لينظف آثار البلاد من التتار ، فبلغه أن بيبرس تنكر له و عمل عليه ، فصرف وجهه عن ذلك ، و رجع إلى مصر و قد أضمر الشر لبيبرس ، و أسر ذلك لبعض خواصه ، فأطلع على ذلك بيبرس فساروا إلى مصر و كل منهما محترس من صاحبه ، فاتفق بيبرس و جماعة من الأمراء على قتل المظفر ، فقتلوه في الطريق في ثالث عشر شهر ذي القعدة ، و تسلطن بيبرس و لقب الملك القاهر ، و دخل مصر و أزال عن أهلها ما كان المظفر قد أحدثه عليهم من المظالم ، و أشار عليه الوزير زين الملة و الدين ابن الزبير بأن يغير هذا اللقب و قال : ما لقب به أحد فأفلح : لقب به القاهر بن المعتضد ، فخلع بعد قليل و سمل ، و لقب به القاهر ابن صاحب الموصل فسم ، فأبطل السلطان هذا اللقب و تلقب بالملك الظاهر .
ثم دخلت سنة تسع و خمسين ، و الوقت أيضاً بلا خليفة إلى رجب ، فأقيمت بمص الخلافة ، و بويع المستنصر كما سنذكره ، و كان مدة انقطاع الخلافة ثلاث سنين و نصفاً .
و ممن مات في أيام المستعصم من الأعلام : الحافظ تقي الدين الصريفيني ، و الحافظ أبو القاسم بن الطيلسان ، و شمس الأئمة الكردي من كبار الحنفية ، و الشيخ تقي الدين بن الصلاح ، و العلم السخاوي ، و الحافظ محب الدين بن النجار مؤرخ بغداد ، و منتخب الدين شارح المفصل ، و ابن يعيش النحوي ، و أبو الحجاج الأقصري الزاهد ، و أبو علي الشلوبيني النحوي ، و ابن البيطار صاحب المفردات ، و العلامة جمال الدين بن الحاجب إمام المالكية ، و أبو الحسن بن الدباج النحوي ، و القفطي صاحب تاريخ النحاة ، و أفضل الدين الخونجي صاحب المنطق ، و الأزدي ، و الحافظ يوسف بن خليل ، و البهاء ابن بنت الحميري و الجمال بن عمرون النحوي ، و الرضي الصغاني اللغوي صاحب [ العباب ] و غيره ، و الكمال عبد الواحد الزملكاني صاحب المعاني و البيان ، و إعجاز القرآن ، و الشمس الخسرو شاهي ، و المجد ابن تيمية ، و يوسف سبط ابن الجوزي صاحب [ مرآة الزمان ] و ابن باطيش من كبار الشافعية ، و النجم البادرائي ، و ابن الفضل المرسي صاحب التفسير ، و خلائق آخرون .
فصل
و مات في مدة انقطاع الخلافة من الأعلام : الزكي عبد العظيم المنذري ، و الشيخ أبو الحسن الشاذلي شيخ الطائفة الشاذلية ، و شعبة المقرئ ، و الفاسي شارح الشاطبية ، و سعد الدين بن العزي الشاعر ، و الصرصري الشاعر ، و ابن الأبار مؤرخ الأندلس ، و آخرون .      

 
 
 

يتبع لطفا"

 
 
 
 

 

.Powered by Braaum Modern Programming Est

Copy©2001 aslmna.com All Rights reserved webmaster@aslmna.com   .