|
|
المتوكل على الله
جعفر بن المعتصم بن الرشيد 232 هـ ـ 247 هـ
المتوكل على الله : جعفر أبو الفضل بن المعتصم بن الرشيد ، أمه أم ولد اسمها شجاع ،
ولد سنة خمس ـ و قيل : سبع ـ و مائتين ، و بويع له في ذي الحجة سنة اثنتين و ثلاثين
و مائتين ، بعد الواثق ، فأظهر الميل إلى السنة ، و نصر أهلها ، و رفع المحنة ، و
كتب بذلك إلى الآفاق ، و ذلك في سنة أربع و ثلاثين ، و استقدم المحدثين إلى سامرا ،
و أجزل عطاياهم و أكرمهم ، و أمرهم بأن يحدثوا بأحاديث الصفات و الرؤية و جلس أبو
بكر بن أبي شيبة في جامع الرصافة ، فاجتمع إليه نحو من ثلاثين ألف نفس ، و جلس أخوه
عثمان في جامع المنصور ، فاجتمع إليه أيضاً نحو من ثلاثين ألف نفس ، و توفر دعاء
الخلق للمتوكل ، و بالغوا في الثناء عليه و التعظيم له ، حتى قال قائلهم : الخلفاء
ثلاثة : أبو بكر الصديق رضي الله عنه في قتل أهل الردة ، و عمر بن عبد العزيز في رد
المظالم ، و المتوكل في إحياء السنة و إماتة التجهم ، و قال أبو بكر بن الخبازة في
ذلك :
و بعد فإن السنة اليوم أصبحت معززة حتى كأن لم تذلل
تصول و تسطو إذ أقيم منارها وحط منار الإفك و الزور من
عل
و ولى أخو الإبداع في الدين هارباً إلى النار يهوي مدبراً
غير مقبل
شفى الله منهم بالخليفة جعفر خليفته ذي السنة المتوكل
خليفة ربي و ابن عم نبيه و خير بني العباس من منهم ولي
و جامع شمل الدين بعد تشتت و فاري رؤوس المارقين بمنصل
أطال لنا رب العباد بقاءه سليماً من الأهوال غير مبدل
و بوأه بالنصر للدين جنة يجاور في روضاتها خير مرسل
و في هذه السنة أصاب ابن أبي دؤاد فالج صيره حجراً ملقى ، فلا آجره الله .
و من عجائب هذه السنة أنه هبت ريح بالعراق شديدة السموم ، و لم يعهد مثلها ، أحرقت
زرع الكوفة ، و البصرة ، و بغداد ، و قتلت المسافرين و دامت خمسين يوماً ، و اتصلت
بهمذان ، و أحرقت الزرع و المواشي ، و اتصلت بالموصل و سنجار ، و منعت الناس من
المعاش في الأسواق ، و من المشي في الطرقات ، و أهلكت خلقاً عظيماً .
و في السنة التي قبلها جاءت زلزلة مهولة بدمشق ، سقطت منها دور ، و هلك تحتها خلق ،
وامتدت إلى أنطاكية فهدمتها ، و إلى الجزيرة فأحرقتها ، و إلى الموصل فيقال : هلك
من أهلها خمسون ألفاً .
و في سنة خمس و ثلاثين ألزم المتوكل كل النصارى بلبس الغل .
و في سنة ست و ثلاثين أمرهم بهدم قبر الحسين ، و هدم ما حوله من الدور ، و أن يعمل
مزارع ، و منع الناس من زيارته و خرب و بقي صحراء ، و كان المتوكل معروفاً بالتعصب
، فتألم المسلمون من ذلك ، و كتب أهل بغداد شتمه على الحيطان و المساجد ، و هجاه
الشعراء ، فمما قيل في ذلك :
بالله إن كانت أمية قد أتت قتل ابن بنت نبيها مظلوما
فلقد أتاه بنو أبيه بمثله هذا لعمري قبره مهدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا في قتله فتتبعوه رميما
و في سنة سبع و ثلاثين بعث إلى نائب مصر أن يحلق لحية قاضي القضاة بمصر : أبي بكر
محمد بن أبي الليث ، و أن يضربه ، و يطوف به على حمار ، ففعل ـ و نعم ما فعل ـ فإنه
كان ظالماً من رؤوس الجهمية ، و ولي القضاء بدله الحارث بن سكين من أصحاب مالك ،
بعد تمنع ، و أهان القاضي المعزول بضربه كل يوم عشرين سوطاً ليرد الظلمات إلى أهلها
.
و في هذه السنة ظهرت نار بعسقلان ، أحرقت البيوت و البيادر ، و لم تزل تحرق إلى ثلث
الليل ثم كفت .
و في سنة ثمان و ثلاثين كبست الروم دمياط ، و نهبوا ، و أحرقوا ، و سبوا منها
ستمائة امرأة ، و ولوا مسرعين في البحر .
و في سنة أربعين سمع أهل خلاط صيحة عظيمة من جو السماء ، فمات منها خلق كثير و وقع
برد بالعراق كبيض الدجاج ، و خسف بثلاث عشر قرية بالمغرب .
و في سنة إحدى و أربعين ماجت النجوم في السماء ، و تناثرت الكواكب كالجراد أكثر
الليل ، و كان أمراً مزعجاً لم يعهد .
و في سنة اثنتين و أربعين زلزلت الأرض زلزلة عظيمة بتونس ، و أعمالها ، و الري ، و
خراسان ، و نيسابور ، و طبرستان ، و أصبهان ، و تقطعت الجبال ، و تشققت الأرض بقدر
ما يدخل الرجل في الشق ، و رجمت قرية السويداء بناحية مصر من السماء ، و وزن حجر من
الحجارة فكان عشرة أرطال ، و سار جبل باليمن عليه مزارع لأهله حتى أتى مزارع آخرين
، و وقع بحلب طائر أبيض دون الرخمة في رمضان فصاح : يا معشر الناس اتقوا الله ،
الله ، الله ، و صاح أربعين صوتاً ثم طار و جاء من الغد ففعل كذلك ، و كتب البريد
بذلك ، و أشهد عليه خمسمائة إنسان سمعوه .
و فيها حج من البصرة إبراهيم بن مطهر الكاتب على عجلة تجرها الإبل ، و تعجب الناس
من ذلك .
و في سنة ثلاث و أربعين قدم المتوكل دمشق ، فأعجبته ، و بنى له القصر بداريا ، و
عزم على سكناها ، فقال يزيد بن محمد المهلبي :
أظن الشام تشمت بالعراق إذا عزم الإمام على انطلاق
فإن تدع العراق و ساكنيه فقد تبلى المليحة بالطلاق
فبدا له و رجع بعد شهرين أو ثلاثة .
و في سنة أربع و أربعين قتل المتوكل يعقوب بن السكيت الإمام في العربية فإنه ندبه
إلى تعليم أولاده ، فنظر المتوكل يوماً إلى ولديه المعتز و المؤيد فقال لابن السكيت
: من أحب إليك هما أو الحسن و الحسين ؟ فقال : قنبر ـ يعني مولى علي ـ خير منهما ،
فأمر الأتراك فداسوا بطنه حتى مات ، و قيل : أمر بسل لسانه و أرسل إلى ابنه بديته ،
و كان المتوكل رافضياً .
و في سنة خمس و أربعين عمت الزلازل الدنيا ، فأخربت المدن و القلاع و القناطر ، و
سقط من أنطاكية جبل في البحر ، و سمع من السماء أصواتاً هائلة ، و زلزلت مصر ، و
سمع أهل بلبيس من ناحية مصر صيحة هائلة ، فمات خلق من أهل بلبيس ، و غارت عيون مكة
، فأرسل المتوكل مائة ألف دينار لإجراء الماء من عرفات إليها ، و كان المتوكل
جواداً ممدحاً ، يقال : ما أعطى خليفة شاعراً ما أعطى المتوكل ، و فيه يقول مروان
بن أبي الجنوب :
فأمسك ندى كفيك عني و لا تزد فقد خفت أن أطغى و أن
أتجبرا
فقال : لا أمسك حتى يغرقك جودي ، و كان أجازه على قصيدة بمائة ألف و عشرين ألفاً .
و دخل عليه علي بن الجهم يوماً و بيديه درتان يقلبهما ، فأنشده قصيدة له ، فرمى
إليه بدرة ، فقلبها ، فقال : تستنقص بها و هي و الله خير من مائة ألف ، و لكني فكرت
في أبيات أعملها آخذ بها الأخرى ، فقال : قل ، فقال :
بسر من را إمام عدل تغرف من بحره البحار
الملك فيه و في بنيه ما اختلف الليل و النهار
يرجى و يخشى لكل خطب كأنه جنة و نار
يداه في الجود ضرتان عليه كلتاهما تغار
لم تأت منه اليمين شيئاً إلا أتت مثلها اليسار
فرمى إليه بالدرة الأخرى .
قال بعضهم : سلم على المتوكل بالخلافة ثمانية كل واحد منهم أبوه خليفة : منصور بن
المهدي و العباس بن الهادي ، و أبو أحمد بن الرشيد ، و عبد الله بن الأمين ، و موسى
بن المأمون ، و أحمد بن المعتصم ، و محمد بن الواثق ، و ابنه المنتصر .
و قال المسعودي : لا يعلم أحد متقدم في جد و لا هزل
إلا و قد حظي في دولته ، و وصل إليه نصيب وافر من المال و كان منهمكاً في اللذات و
الشراب ، و كان له أربعة آلاف سرية و وطئ الجميع .
وقال علي بن الجهم : كان المتوكل مشغوفاً بقبيحة أم ولده المعتز لا يصبر عنها ،
فوقفت له يوماً ـ و قد كتبت على خديها بالغالية جعفراً ـ فتأملها و أنشأ يقول :
و كاتبه بالمسك في الخد جعفرا بنفسي محط المسك من حيث
أثرا
لئن أودعت سطراً من المسك خدها لقد أودعت قلبي من الحب
أسطرا
و في كتاب المحن للسلمي أن ذا النون أول من تكلم بمصر
في ترتيب الأحوال و مقامات أهل الولاية ، فأنكر عليه عبد الله بن عبد الحكم ـ و كان
رئيس مصر ، و من جلة أصحاب مالك ـ و أنه أحدث علماً لم يتكلم فيه السلف ، و رماه
بالزندقة ، فدعاه أمير مصر و سأله عن اعتقاده ، فتكلم، فرضي أمره و كتب به إلى
المتوكل ، فأمر بإحضاره . فحمل على البريد ، فلما سمع كلامه أولع به و أحبه و أكرمه
حتى كان يقول : إذا ذكر الصالحون فحيهلا بذي النون .
كان المتوكل بايع بولاية العهد لابنه المنتصر ، ثم المعتز ، ثم المؤيد ، ثم إنه
أراد تقديم المعتز لمحبته لأمه ، فسأل المنتصر أن ينزل عن العهد ، فأبى ، فكان
يحضره مجلس العامة و يحط منزلته و يتهدده و يشتمه و يتوعده ، و اتفق أن الترك
انحرفوا عن المتوكل لأمور فاتفق الأتراك مع المنتصر على قتل أبيه فدخل عليه خمسة و
هو في جوف الليل في مجلس لهوه ، فقتلوه هو و وزيره الفتح بن خاقان ، و ذلك في خامس
شوال سنة سبع أربعين و مائتين .
و رئي في النوم فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي بقليل من السنة أحييتها ،
و لما قتل رئته الشعراء ، و من ذلك قول يزيد المهلبي :
جاءت منيته و العين هاجعة هلا أتته المنايا و القنا قصد
خليفة لم ينل ما ناله أحد و لم يضع مثله روح و لا جسد
و كان من حظاياه وصيفة تسمى محبوبة شاعرة عالمة بصنوف العلم عوادة ، فلما قتل ضمت
إلى بغا الكبير ، فأمر بها يوماً للمنادمة ، فجلست منكسة ، فقال : غني ، فاعتلت ،
فأقسم عليها و أمر بالعود ، فوضع في حجرها ، فغنت ارتجالاً :
أي عيش يلذ لي لا أرى فيه جعفرا ؟
ملك قد رأيته في نجيع معفرا
كل من كان ذا هيا م و سقم فقد برا
غير محبوبة التي لو ترى الموت يشترى
لاشترته بماحـ ـوته يداها لتقبرا
إن موت الحزين أط ـيب من أن يعمرا
فغضب بغا ، و أمر بها فسجنت ، فكان آخر العهد بها .
و من الغرائب أن المتوكل قال للبحتري : قل شعراً و في الفتح بن خاقان ، فإني أحب أن
يحيا معي ، و لا أفقده فيذهب عيشي ، و لا يفقدني ، فقل في هذا المعنى ، فقال :
يا سيدي كيف أخلفت وعدي و تثاقلت عن وفاء بعهدي ؟
لا أرتني الأيام فقدك يا فت ـح و لا عرفتك ما عشت فقدي
أعظم الرزء أن تقدم قبلي و من الرزء أن تؤخر بعدي
حذراً أن تكون إلفا لغيري إذ تفردت بالهوى فيك وحدي
فقتلا معاً كما تقدم .
و من أخبار المتوكل : أخرج ابن عساكر أن المتوكل رأى
في النوم كأن سكراً سليماً نيئاً سقط عليه من السماء مكتوباً عليه جعفر المتوكل على
الله ، فلما بويع خاض الناس في تسميته فقال بعضهم : نسميه المنتصر ، فحدث المتوكل
أحمد بن أبي دؤاد بما رأى في منامه ، فوجده موافقاً فأمضى ، و كتب به إلى الآفاق .
و أخرج عن هشام بن عمار قال : سمعت المتوكل يقول : واحسرتا على محمد بن إدريس
الشافعي ، كنت أحب أن أكون في أيامه فأراه و أشاهده ، و أتعلم منه ، فإني رأيت رسول
الله صلى الله عليه و سلم في المنام و هو يقول : يا أيها الناس إن محمد بن إدريس
المطلبي قد صار إلى رحمة الله و خلف فيكم علماً حسناً فاتبعوه تهدوا ، ثم قال :
اللهم ارحم محمد بن إدريس رحمه واسعة ، و سهل على حفظ مذهبه ، و انفعني بذلك .
قلت استفدنا من أن المتوكل كان متمذهباً بمذهب الشافعي
و هو أول من تمذهب له من الخلفاء .
و أخرج عن أحمد بن علي البصري قال : وجه المتوكل إلى أحمد بن المعدل و غيره من
العلماء ، فجمعهم في داره ، ثم خرج عليهم ، فقام الناس كلهم له غير أحمد بن المعدل
، فقال المتوكل لعبيد الله : إن هذا لا يرى بيعتنا ، فقال له : بلى يا أمير
المؤمنين ، و لكن في بصره سوءاً ، فقال أحمد بن المعدل : يا أمير المؤمنين ما في
بصري سوء ، و لكن نزهتك من عذاب الله . قال النبي صلى الله عليه و سلم
من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار
فجاء المتوكل فجلس إلى جنبه .
و أخرج عن يزيد المهلبي قال : قال لي المتوكل : يا مهلبي ، إن الخلفاء كانت تتصعب
على الرعية لتطيعها و أنا ألين لهم ليحبوني و يطيعوني .
و أخرج عن عبد الأعلى بن حماد النرسي قال : دخلت على المتوكل فقال : يا أبا يحيى ،
ما أبطأك عنا ! منذ ثلاث لم نرك ، كنا هممنا لك بشيء ، فصرفناه إلى غيرك ، فقلت :
يا أمير المؤمنين جزاك الله على هذا الهم خيراً ، ألا أنشدك بهذا المعنى بيتين ؟
قال : بلى ، فأنشدته :
لأشكرنك معروفاً هممت به إن اهتمامك بالمعروف معروف
و لا ألومك إذا لم يمضه قدر فالرزق بالقدر المحتوم مصروف
فأمر لي بألف دينار .
و أخرج عن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي قال : دخلت على المتوكل لما توفيت أمه ، فقال
: يا جعفر ، ربما قلت البيت الواحد ، فإذا جاوزته خلطت ، و قد قلت :
تذكرت لما فرق الدهر بيننا فندبت نفسي بالنبي محمد
فأجازه بعض من حضر المجلس بقوله :
و قلت لها : إن المنايا سبيلنا فمن لم تمت في يومه مات
في غد
و أخرج عن الفتح بن خاقان قال : دخلت يوماً على المتوكل ، فرأيته مطرقاً متفكراً ،
فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذا الفكر ؟ فو الله ما ظهر على الأرض أطيب منك عيشاً ،
و لا أنعم منك بالاً فقال : يا فتح أطيب عيشاً مني رجل له دار واسعة ، و زوجة صالحة
، و معيشة حاضرة ، لا يعرفنا فنؤذيه ، و لا يحتاج إلينا فنزدريه . و أخرج عن أبي
العيناء قال : أهديت إلى المتوكل جارية شاعرة اسمها فضل ، فقال لها : أشاعرة أنت ؟
قالت : هكذا زعم من باعني و اشتراني ، فقال : أنشدينا شيئاً من شعرك ، فأنشدته :
استقبل الملك إمام الهدى عام ثلاث و ثلاثينا
خلافة أفضت إلى جعفر و هو ابن سبع بعد عشرينا
إنا لنرجو يا إمام الهدى أن تملك الملك ثمانينا
لا قدس الله أمراً لم يقل عند دعائي لك : آمينا
و أخرج عن علي بن الجهم قال : أهدي إلى المتوكل جارية يقال لها محبوبة ، قد نشأت
بالطائف ، و تعلمت الأدب ، و روت الأشعار ، فأغري المتوكل بها ، ثم إنه غضب عليها ،
و منع جواري القصر من كلامها ، فدخلت عليه يوماً ، فقال لي : قد رأيت محبوبة في
منامي كأني قد صالحتها ، فقلت : خيراً يا أمير المؤمنين ، فقال : قم بنا للنظر ما
هي عليه ، فقمنا حتى أتينا حجرتها ، فإذا هي تضرب على العود و تقول :
أدور في القصر لا أرى أحداً أشكو إليه و لا يكلمني
حتى كأني أتيت معصيةً ليست لها توبة تخلصني
فهل شفيع لنا إلى ملك قد زارني في الكرى و صالحني
حتى إذا ما الصباح لاح لنا عاد إلى هجرة فصارمني
فصاح المتوكل ، فخرجت ، فأكبت على رجليه تقبلهما ، فقالت : يا سيدي رأيتك في ليلتي
هذه كأنك قد صالحتني ، قال : و أنا و الله قد رأيتك ، فردها إلى مرتبتها ، فلما قتل
المتوكل صارت إلى بغا ، و ذكر الأبيات السابقة .
و أخرج عن علي أن البحتري قال يمدح المتوكل فيما رفع من المحنة ، و يهجو ابن أبي
دؤاد بقوله :
أمير المؤمنين لقد شكرنا إلى آبائك الغر الحسان
رددت الدين فذا بعد أن قد أراه فرقتين تخاصمان
قصمت الظالمين بكل أرض فأضحى الظلم مجهول المكان
و في سنة رمت متجبريهم على قدر بداهية عيان
فما أبقت من ابن أبي دؤاد سوى حسد يخاطب بالمعاني
تحير فيه سابور بن سهل فطاوله و مناه الأماني
إذا أصحابه اصطحبوا بليل أطالوا الخوض في خلق القران
و أخرج عن أحمد بن حنبل قال : سهرت ليلة ثم نمت ،
فرأيت في نومي كأن رجلاً يعرج بي إلى السماء ، و قائلاً يقول :
ملك يقاد إلى مليك عادل متفضل في العفو ليس بجائر
ثم أصبحنا فجاء نعي المتوكل من [ سر من رأى ] إلى بغداد .
و أخرج عن عمرو بن شيبان الجهني قال : رأيت في الليلة التي قتل فيها المتوكل في
المنام قائلاً يقول :
يا نائم العين في أوطار جسمان أفض دموعك يا عمرو بن
شيبان
أما ترى الفئة الأرجاس ما فعلوا بالهاشمي و بالفتح بن
خاقان ؟
وافى إلى الله مظلوماً تضج له أهل السموات من مثنى و
وحدان
و سوف يأتيكم أخرى مسومة توقعوا لها شأن من الشان
فابكوا على جعفر و ارثوا خليفتكم فقد بكاه جميع الإنس و
الجان
ثم رأيت المتوكل في النوم بعد أشهر ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي بقليل
من السنة أحييتها ، قلت : فما تصنع ههنا ؟ قال : أنتظر محمداً ابني أخاصمه إلى الله
.
قال الخطيب : أخبرنا أبو الحسين الأهوازي ، حدثنا محمد
بن إسحاق بن إبراهيم القاضي ، حدثنا محمد بن هارون الهاشمي ، حدثنا محمد بن شجاع
الأحمر قال : سمعت المتوكل يحدث عن يحيى بن أكثم ، عن محمد بن
عبد المطلب ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن موسى بن عبد الله بن يزيد ، عن عبد الرحمن
بن هلال ، عن جرير بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من حرم الرفق
حرم الخير أخرجه الطبراني في
معجمه الكبير من وجه آخر عن جرير .
و قال ابن عساكر : أخبرنا نصر بن أحمد بن مقاتل السوسي
، حدثنا جدي أبو محمد ، حدثنا أبو علي الحسين بن علي الأهوازي ، حدثنا أبو محمد عبد
الله بن عبد الرحمن بن محمد الأزدي ، حدثنا أبو الطيب محمد بن جعفر بن داران غندر ،
حدثنا هارون بن عبد العزيز بن أحمد العباسي ، حدثنا أحمد بن الحسن المقرىء البزار ،
حدثنا أبو عبد الله محمد بن عيسى الكسائي و أحمد بن زهير و إسحاق بن إبراهيم بن
إسحاق ، فقالوا : حدثنا علي بن الجهم قال : كنت عند المتوكل فتذاكروا عنده الجمال ،
فقال : إن حسن الشعر لمن الجمال ، ثم قال : حدثني المعتصم ، حدثني المأمون ، حدثنا
الرشيد ، حدثنا المهدي ، حدثنا المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال : كانت
لرسول الله صلى الله عليه و سلم جمة إلى شحمة أذنيه كأنها نظام اللؤلؤ ، و كان من
أجمل الناس ، و كان أسمر رقيق اللون ، لا بالطويل و لا بالقصير ، و كان لعبد المطلب
جمة إلى شحمة أذنيه ، و كان لهاشم جمة إلى شحمة أذنيه ، قال علي بن الجهم : و كان
للمتوكل جمة إلى شحمة أذنيه ، و قال لنا المتوكل : كان للمعتصم جمة ، و كذلك
للمأمون ، و الرشيد و المهدي ، و المنصور ، ولأبيه محمد ، و لجده علي ، و لأبيه عبد
الله بن عباس .
قلت : هذا الحديث مسلسل من ثلاثة أوجه بذكر الجمة و الآباء و بالخلفاء ، ففي إسناده
ست خلفاء .
مات في أيام خلافة المتوكل من الأعلام : أبو ثور ، و الإمام أحمد بن حنبل ، و
إبراهيم بن المنذر الخزامي ، و إسحاق بن راهوية النديم ، و روح المقرىء ، و زهير بن
حرب ، و سحنون ، و سليمان الشاذكوني ، و أبو مسعود العسكري ، و أبو جعفر النفيلي ،
و أبو بكر بن أبي شيبة ، و أخوه ، وديك الجن الشاعر ، و عبد الملك بن حبيب إمام
المالكية ، و عبد العزيز بن يحيى الغول أحد أصحاب الشافعي ، و عبيد الله بن عمر
القواريري ، و علي بن المديني ، و محمد بن عبد الله بن نمير ، و يحيى بن معين ، و
يحيى بن بكير ، و يحيى بن يحيى ، و يوسف الأزرق المقرىء ، و بشر بن الوليد الكندي
المالكي ، و ابن أبي دؤاد ذاك الكلب لا رحمه الله ، و أبو بكر الهذلي العلاف شيخ
الاعتزال و رأس أهل الضلال ، و جعفر بن حرب من كبار المعتزلة ، و ابن كلاب المتكلم
، و القاضي يحيى بن أكثم ، و الحارث المحاسبي ، و حرملة صاحب الشافعي ، و ابن
السكيت ، و أحمد بن منيع ، و ذم النون المصري الزاهد ، و أبو تراب النخشبي ، و أبو
عمر الدوري المقرىء ، و دعبل الشاعر ، و أبو عثمان المازني النحوي ، و خلائق آخرون
.
|
|
|