المكتفي بالله
علي بن المعتضد 289 هـ ـ 295 هـ
المكتفي بالله : أبو محمد علي بن المعتضد ، ولد في غرة ربيع الآخر سنة أربع و ستين
و مائتين ، و أمه تركية اسمها جيجك . و كان يضرب بحسنها المثل حتى قال بعضهم :
قايست بين جمالها و فعالها فإذا الملاحة بالخيانة لا تفي
و الله لا كلمتها و لوانها كالشمس أو كالبدر أو كالمكتفي
و عهد إليه أبوه فبويع في مرضه يوم الجمعة بعد العصر لإحدى عشرة بقيت من ربيع الآخر
سنة تسع و ثمانين .
قال الصولي : و ليس من الخلفاء من اسمه علي إلا هو و
علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، و لا من يكنى أبا محمد سوى الحسن بن علي ، و الهادي
، و المكتفي .
و لما بويع له عند موت أبيه كان غائباً بالرقة ، فنهض بأعباء البيعة الوزير أبو
الحسن القاسم بن عبيد الله ، و كتب له فوافى بغداد في سابع جمادى الأولى ، و مر
بدجلة في سمارية ، و كان يوماً عظيماً ، و سقط أبو عمر القاضي من الزحمة في الجسر ،
و أخرج سالماً ، و نزل المكتفي بدار الخلافة ، و قالت الشعراء ، و خلع على قاسم
الوزير سبع خلع ، و هدم المطامير التي اتخذها أبوه و صيرها مساجد ، و أمر برد
البساتين و الحوانيت التي أخذها أبوه من الناس ليعملها قصراً إلى أهلها ، و سار
سيرة جميلة ، فأحبه الناس و دعوا له .
و في هذه السنة زلزلت بغداد زلزلة عظيمة دامت أياماً ، و فيها هبت ريح عظيمة
بالبصرة قلعة عامة نخلها ، و لم يسمع بمثل ذلك .
و فيها خرج يحيى بن زكرويه القرمطي فاستمر القتال بينه و بين عسكر الخليفة إلى أن
قتل في سنة تسعين ، فقام عوضه أخوه الحسين ، و أظهر شامة في وجهه زعم أنها آيته ، و
جاءه ابن عمه عيسى بن مهرويه ، و زعم أن لقبه المدثر ، و أنه المعني في السورة ، و
لقب غلاماً له [ المطوق بالنور ] و ظهر على الشام ، وعاث و أفسد ، و تسمى بأمير
المؤمنين المهدي ، و دعي له على المنابر ، ثم قتل الثلاثة في سنة إحدى و تسعين .
و في هذه السنة فتحت أنطالية ـ باللام ـ من بلاد الروم عنوة ، و غنم منها ما لا
يحصى من الأموال .
و في سنة اثنتين زادت دجلة زيادة لم يرى مثلها حتى خربت بغداد ، و بلغت الزيادة
أحداً و عشرين ذراعاً .
و من شعر الصولي يمدح المكتفي و يذكر القرمطي :
قد كفى المكتفي االخلي فة ما كان قد حذر
إلى أن قال :
آل عباس انتم سادة الناس و الغرر
حكم الله أنكم حكماء على البشر
و أولو الأمر منكم صفوة الله و الخير
من رأى أن مؤمناً من عصكم فقد كفر
أنزل الله ذاكم قبل في محكم السور
قال الصولي : سمعت المكتفي يقول في علته : و الله ما
آسي إلا على سبعمائة ألف دينار صرفتها من مال المسلمين في أبنية ما احتجت إليها ، و
كنت مستغنياً عنها ، أخاف أن أسأل عنها ، و إني أستغفر الله منها .
مات المكتفي شاباً في ليلة الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة خمس و
تسعين ، و خلف ثمانية أولاد ذكور و ثمان بنات .
و ممن مات في أيامه من الأعلام : عبد الله بن أحمد بن حنبل ، و ثعلب إمام العربية ،
و قنبل المقرئ ، و أبو عبد الله البوشنجي الفقيه ، و البزار صاحب المسند ، و أبو
مسلم الكجي ، و القاضي أبو حازم ، و صالح جزرة ، و محمد بن نصر المروزي الإمام ، و
أبو الحسين النوري شيخ الصوفية ، و أبو جعفر الترمذي شيخ الشافعية بالعراق .
و رأيت في تاريخ نيسابور لعبد الغافر عن أبي الدنيا قال : لما أفضت الخلافة إلى
المكتفي كتبت إليه بيتين :
إن حق التأديب حق الأبوه عند أهل الحجى و أهل المروه
و أحق الرجال أن يحفظوا ذا ك و يرعوه أهل البيت النبوه
قال : فحمل إلي عشرة آلاف درهم ، و هذا يدل على تأخر ابن أبي الدنيا إلى أيام
المكتفي . |