المعتز بالله محمد بن
المتوكل بن المعتصم 252 هـ ـ 255 هـ
المعتز بالله : محمد ـ و قيل الزبير ـ أبو عبد الله بن المتوكل بن المعتصم بن
الرشيد ، ولد سنة اثنتين و ثلاثين ومائتين ، و أمه أم ولد رومية تسمى قبيحة ، و
بويع له عند خلع المستعين في سنة اثنتين و خمسين ، و له تسع عشرة سنة ، و لم يل
الخلافة قبله أحد أصغر منه ، و كان بديع الحسن . قال علي بن
حرب ـ أحد شيوخ ابن المعتز في الحديث : ما رأيت خليفة أحسن منه ، و هو أول
خليفة أحدث الركوب بحلية الذهب ، و كان الخلفاء قبل يركبون بالحلية الخفيفة من
الفضة .
و أول سنة تولى مات أشناس الذي كان الواثق استخلفه على السلطنة ، و خلف خمسمائة ألف
دينار ، فأخزها المعتز ، و خلع خلعة الملك على محمد بن عبد الله بن طاهر ، و قلده
سيفين ، ثم عزله و خلع خلعة الملك على أخيه ـ أعني أخ المعتز أبا أحمد ـ و توجه
بتاج من ذهب ، و قلنسوة مجوهرة ، و وشاحين مجوهرين ، و قلده سيفين ، ثم عزله من
عامه و نفاه إلى واسط و خلع على بغا الشرابي ، و ألبسه تاج الملك فخرج على المعتز
بعد سنة فقتل وجيء إليه برأسه .
و في رجب من هذه السنة خلع المعتز أخاه المؤيد من العهد ، و ضربه وقيده فمات بعد
أيام ، فخشي المعتز أن يتحدث عنه أنه قتله أو احتال عليه ، فأحضر القضاة حتى شاهدوه
و ليس به أثر ، و كان المعتز مستضعفاً مع الأتراك فاتفق أن جماعة من كبارهم أتوه و
قالوا : يا أمير المؤمنين أعطينا أرزاقنا لنقتل صالح بن وصيف ، و كان المعتز يخاف
منه ، فطلب من أمه مالاً لينفقه فيهم ، فأبت عليه و شحت نفسها ، و لم يكن بقي في
بيوت المال شيء ، فاجتمع الأتراك على خلعه ، و وافقهم صالح بن وصيف ، و محمد بن بغا
، فلبسوا السلاح و جاؤوا إلى دار الخلافة ، فبعثوا إلى المعتز أن أخرج إلينا ، فبعث
يقول : قد شربت دواء و أنا ضعيف ، فهجم عليه جماعة ، و جروا برجله و ضربوه
بالدبابيس ، و أقاموه في الشمس في يوم صائف ، و هم يلطمون وجهه و يقولون : اخلع
نفسك ، ثم أحضروا القاضي ابن أبي الشوارب و الشهود و خلعوه ، ثم أحضروا من بغداد
إلى دار الخلافة ـ و هو يومئذ سامرا ـ محمد بن الواثق ، و كان المعتز قد أبعده إلى
بغداد ، فسلم المعتز إليه الخلافة ، و بايعه ، ثم إن الملأ أخذوا المعتز بعد خمس
ليال من خلعه ، فأدخلوه الحمام فلم اغتسل عطش ، فمنعوه الماء ، ثم أخرج ـ و هو أول
ميت مات عطشاً ـ فسقوه ماء بثلج ، فشربه و سقط ميتاً ، و ذلك في شهر شعبان المعظم
سنة خمس وخمسين و مائتين ، و اختفت أمه قبيحة ، ثم ظهرت في رمضان ، و أعطت صالح بن
وصيف مالاً عظيماً ، من ذلك ألف ألف دينار و ثلاثمائة ألف دينار ، و سفط فيه مكوك
زمرد ، و سفط فيه لؤلؤ حب كبار ، و كيلجة ياقوت أحمر ، و غير ذلك ، فقومت السفاط
بألفي ألف دينار ، فلما رأى ابن وصيف ذلك قال : قبحها الله ! عرضت ابنها للقتل لأجل
خمسين ألف دينار و عندها هذا ، فأخذ الجميع و نفاها إلى مكة ، فبقيت بها إلى أن
تولى المعتمد ، فردها إلى سامراء ، و ماتت سنة أربع و ستين .
مات في أيام المعتز من الأعلام : سري السقطي الزاهد ، و هارون بن سعيد الأيلي ، و
الدارمي صاحب [ المسند ] ، و العتبي صاحب [ المسائل العتبية في مذهب مالك ] ، و
آخرون ، رحمهم الله تعالى . |