|
|
المعتمد على
الله أحمد بن المتوكل بن المعتصم أبو العباس 256 هـ ـ 279 هـ
المعتمد على الله أبو العباس ـ و قيل : أبو جعفر ـ أحمد بن المتوكل بن المعتصم ابن
الرشيد ، ولد سنة تسع و عشرين و مائتين ، أمه رومية اسمها فتيان ، و لما قتل
المهتدي و كان المعتمد محبوساً بالجوسق ، فأخرجوه و بايعوه ، ثم إنه استعمل أخاه
الموفق طلحة على المشرق ، و صير ابنه جعفراً ولي عهده ، و ولاه مصر و المغرب ، و
لقبه المفوض إلى الله ، و انهمك المعتمد في اللهو و اللذات ، واشتغل عن الرعية ،
فكرهه الناس ، و أحبوا أخاه طلحة .
و في أيامه دخلت الزنج البصرة و أعمالها و أخربوها ، و بذلوا السيف و أحرقوا و
خربوا و سبوا ، و جرى بينهم و بين عسكره عدة وقعات و أمير عسكره في أكثرها الموفق
أخوه ، و أعقب ذلك الوباء الذي لا يكاد يتخلف عن الملاحم بالعراق ، فمات خلق لا
يحصون ، ثم أعقبه هدات و زلازل ، فمات تحت الردم ألوف من الناس ، و استمر القتال مع
الزنج من حين تولى المعتمد سنة ست و خمسين إلى سنة سبعين ، فقتل فيه رأس الزنج لعنه
الله و اسمه بهبوذ ، و كان ادعى أنه أرسل إلى الخلق فرد الرسالة و أنه مطلع على
المغيبات .
و ذكر الصولي أنه قتل من المسلمين ألف ألف و خمسمائة
ألف آدمي ، و قتل في يوم واحد بالبصرة ثلاثمائة ألف ، و كان له منبر في مدينته يصعد
عليه و يسب عثمان ، و علياً ، و معاوية ، و طلحة ، و الزبير ، و عائشة ، رضي الله
عنهم .
و كان ينادي على المرأة العلوية في عسكره بدرهمين و ثلاثة و كان عند الواحد من
الزنج العشر من العلويات يطؤهن و يستخدمهن .
و لما قتل هذا الخبيث دخل برأسه بغداد على رمح ، و عملت قباب الزينة ، و ضج الناس
بالدعاء للموفق ، و مدحه الشعراء ، و كان يوماً مشهوداً ، و أمن الناس و تراجعوا
الى المدن التي أخذها ، و هي كثيرة كواسط و رامهرمز .
و في سنة ستين من أيامه وقع غلاء مفرط بالحجاز و العراق ، و بلغ كر الحنطة في بغداد
مائة و خمسين ديناراً ، و فيها أخذت الروم بلد لؤلؤة .
و في سنة إحدى و ستين بايع المعتمد بولاية العهد بعده لابنه المفوض إلى الله جعفر ،
ثم من بعده لأخيه الموفق طلحة ، و ولى ولده المغرب ، و الشام ، و الجزيرة ، و
أرمنية ، و ولى أخاه المشرق و العراق ، و بغداد ، و الحجاز ، و اليمن ، و فارس و
أصبهان و الري ، و خراسان ، و طبرستان ، و سجستان ، و السند ، و عقد لكل منها
لواءين : أبيض ، و أسود ، و شرط إن حدث به حدث أن الأمر لأخيه إن لم يكن ابنه جعفر
قد بلغ ، و كتب العهد و أنفذه مع قاضي القضاء ابن أبي الشوارب ليعلقه في الكعبة .
و في سن ست و ستين وصلت عساكر الروم إلى ديار بكر ، ففتكوا ، و هرب أهل الجزيرة ، و
الموصل . و فيها وثبت الأعراب على كسوة الكعبة فانتهبوها .
و في سنة سبع و ستين استولى أحمد بن عبد الله الحجابي على خرسان ، و كرمان ، و
سجستان ، و عزم على قصد العراق ، و ضرب السكة باسمه ، و على الوجه الآخر اسم
المعتمد ، و هذا محل الغرابة ، ثم إنه آخر السنة قتله غلمانه ، فكفى الله شره .
و في سنة تسع و ستين اشتد تخيل المعتمد من أخيه الموفق ، فإنه كان خرج عليه في سنة
أربع و ستين ثم اصطلحا ، فلما استد تخيله منه هذا العام كاتب المعتمد ابن طولون
نائبه بمصر ، و اتفقا على أمر ، فخرج ابن طولون حتى قدم دمشق ، و خرج المعتمد من
سامرا على وجه التنزه ، و قصده دمشق ، فلما بلغ ذلك الموفق كتب إلى إسحاق بن كنداج
ليرده ، فركب ابن كنداج من نصيبين إلى المعتمد ، فلقيه بين الموصل و الحديثة ، فقال
: يا أمير المؤمنين ، أخوك في وجه العدو و أنت تخرج عن مستقرك و دار ملكك ، و متى
صح هذا عنده رجع عن مقاومة الخارجي ، فيغلب عدوك على ديار آباك ، في كلمات أخر ، ثم
وكل بالمعتمد جماعة ، و رسم على طائفة من خواصه ، ثم بعث إلى المعتمد يقول : ما هذا
بمقام فارجع ، فقال المعتمد : فاحلف لي أنك تنحدر معي و لا تسلمني ، فحلف له ، و
انحدر إلى سامرا فتلقاه صاعد بن مخلد كاتب الموفق ، فسلمه إسحاق إليه ، فأنزل في
دار أحمد بن الخصيب ، و منعه من نزول دار الخلافة ، و وكل به خمسمائة رجل يمنعون من
الدخول إليه ، و لما بلغ الموفق ذلك بعث إلى إسحاق بخلع و أموال ، و أقطعه ضياع
القواد الذين كانوا مع المعتمد ، و لقبه ذا السندين ، و لقب صاعداً ذا الوزارتين ،
و أقام صاعد في خدمة المعتمد ، و لكن ليس للمعتمد حل و لا ربط ، و قال المعتمد في
ذلك
أليس من العجائب أن مثلي يرى ما قل ممتنعا عليه ؟
و تؤخذ باسمه الدنيا جميعاً و ما من ذاك شيء في يديه
إليه تحمل الأموال طراً و يمنع بعض ما يجبى إليه
و هو أول خليفة قهر و حجر عليه و وكل به ، ثم أدخل المعتمد واسط ، و لما بلغ ابن
طولون ذلك جمع الفقهاء ، و القضاة و الأعيان ، و قال : قد نكث الموفق بأمير
المؤمنين فاخلعوه من العهد ، فخلعوه إلا القاضي بكار بن قتيبة فإنه قال : أنت أوردت
علي من المعتمد كتاباً بولايته العهد فأورد علي كتاباً آخر منه بخلعه ، فقال إنه
محجور عليه و مقهور ، فقال : لا أدري ، فقال ابن طولون : غرك الناس بقولهم في
الدنيا مثل بكار ، أنت شيخ قد خرقت ، و حبسه و قيده و أخذ منه جميع عطاياه من سنين
، فكانت عشرة آلاف دينار ، فقيل : إنها وجدت في بيت بكار بختمها ، و بلغ الموفق ذلك
، فأمر بلعن ابن طولون على المنابر .
ثم في شعبان من سنة سبعين أعيد المعتمد إلى سامرا و دخل بغداد ، و محمد بن طاهر بين
يديه بالحرية و الجيش في خدمته كأنه لم يحجر عليه ، و مات بن طولون في هذه السنة ،
فولى الموفق ابنه أبا العباس أعماله ، و جهزه إلى مصر في جنود العراق ، و كان
خمارويه ابن أحمد بن طولون أقام على ولايات أبيه بعده ، فوقع بينه و بين أبي العباس
بن الموفق وقعة عظيمة بحيث جرت الأرض من الدماء ، و كان النصر للمصريين .
و في السنة انبثق ببغداد في نهر عيسى بثق ، فجاء الماء إلى الكرخ فهدم سبعة آلاف
دار .
و فيها نازلت الروم طرسوس في مائة ألف ، فكانت النصرة للمسلمين ، و غنموا مالا يحصى
، و كان فتحاً عظيماً عديم المثل .
و فيها ظهرت دعوة المهدي عبيد الله بن عبيد جد بني عبيد خلفاء المصريين الروافض في
اليمن ، و أقام على ذلك إلى سنة ثمان و سبعين ، فحج تلك السنة و اجتمع بقبيلة من
كتامة ، فأعجبهم حاله ، فصحبهم إلى مصر ، و رأى منهم طاعة ، و قوة فصحبهم إلى
المغرب ، فكان ذلك أول شأن المهدي .
و في سنة سنة إحدى و سبعين ، قال الصولي : و لي هارون
بن إبراهيم الهاشمي الحسبة فأمر أهل بغداد أن يتعاملوا بالفلوس ، فتعاملوا بها على
كره ثم تركوها .
و في سنة ثمان و سبعين غار نيل مصر ، فلم يبق منه شيء ، و غلت الأسعار ، و فيها مات
الموفق ، و استراح منه المعتمد .
و فيها ظهرت القرامطة بالكوفة و هم نوع من الملاحدة يدعون أنه لا غسل من الجنابة ،
و أن الخمر حلال ، و يزيدون في أذانهم [ و أن محمد ابن الحنيفة رسول الله ] و أن
الصوم في السنة يومان : يوم النيروز ، و يوم المهرجان ، و أن الحج و القبلة إلى بيت
المقدس ، و أشياء أخرى ، و نفق قولهم على الجهال ، و أهل البر ، و تعب الناس بهم .
و في سنة تسع و سبعين ضعف أمر المعتمد جداً ، لتمكن أبي العباس بن الموفق من الأمور
، و طاعة الجيش له ، فجلس المعتمد مجلساً عاماً ، و أشهد فيه على نفسه أنه خلع ولده
المفوض من ولاية العهد ، و بايع لأبي العباس ، و لقبه المعتضد ، و أمر المعتضد في
هذه السنة أن لا يقعد في الطريق منجم و لا قصاص ، و استحلف الوارقين أن لا يبيعوا
كتب الفلاسفة و الجدل .
و مات المعتمد بعد أشهر من هذه السنة فجأه ، فقيل : إنه سم و قيل : بل نام فغم في
بساط ، و ذلك ليلة الاثنين لإحدى عشرة بقيت من رجب ، و كانت خلافته ثلاثاً و عشرين
سنة إلا أنه كان مقهوراً مع أخيه الموفق لاستلائه على الأمور ، و مات و هو كالمحجور
عليه من بعض الوجوه من جهة المعتضد أيضاً .
و ممن مات في أيامه من الأعلام : البخاري ، و مسلم ، و أبو داود ، و الترمذي ، و
ابن ماجة ، و الربيع الجيزي ، و الربيع المرادي ، و المزني ، و يونس بن عبد الأعلى
، و الزبير بن بكار ، و أبو الفضل الرياشي ، و محمد بن يحيى الذهلي ، و حجاج بن
يوسف الشاعر ، و العجلي الحافظ ، و قاضي القضاة ابن أبي الشوارب ، و السوسي المقرئ
، و عمر بن شبة ، و أبو زرعة الرازي ، و محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، و القاضي
بكار ، و داود الظاهري ، و ابن دارة ، و بقي بن مخلد ، و ابن قتيبة ، و أبو الحاتم
الرازي ، و آخرون . و من قول عبد الله بن المعتز في المعتمد يمدحه :
يا خير من تزجى المطي له و يمر حبل العهد موثقه
أضحى عنان الملك مقتسراً بيديك تحسبه و تطلقه
فاحكم لك الدنيا و ساكنها ما طاش سهم أنت موفقه
و من شعر المعتمد لما حجر عليه :
أصبحت لا أملك دفعاً لما أسام من خسف و من ذلة
تمضي أمور الناس دوني ، و لا يشعرني في ذكرها قلتي
إذا اشتهيت الشيء و لوا به عني و قالوا : ههنا علتي
قال الصولي : كان له وراق يكتب شعره بماء الذهب .
و رثاه أبو سعيد الحسن بن سعيد النيسابوري بقوله :
لقد قر طرف الزمان النكد و كان سخياً كليلاً رمد
و بلغت الحادثات المنى بموت إمام الهدى المعتمد
و لم يبق لي حذر بعده فدون المصائب فلتجهد |
|
|