المنتصر بالله محمد بن
المتوكل بن المعتصم 247هـ ـ 248هـ
المنتصر بالله : محمد أبو جعفر ، و قيل : أبو عبد الله بن المتوكل بن المعتصم بن
الرشيد ، أمه أم ولد رومية اسمها حبشية ، و كان مليح الوجه ، أسمر ، أعين ، أقنى ،
ربعة ، جسيماً ، بطيناً ، مليحاً ، مهيباً ، وافر العقل ، راغباً في الخير ، قليل
الظلم ، محسناً إلى العلويين ، و صولاً لهم ، أزال عن آل أبي طالب ما كانوا فيه من
الخوف و المحنة بمنعهم من زيارة قبر الحسين ، ورد على آل الحسين فدك ، فقال يزيد
المهلبي في ذلك :
و لقد بررت الطالبية بعد ما ذموا زماناً بعدها و زمانا
و رددت ألفة هاشم فرأيتهم بعد العداوة بينهم إخواناً
بويع له بعد قتل أبيه في شوال سنة سبع و أربعين و مائتين ، فخلع أخويه المعتز و
المؤيد من ولاية العهد الذي عقده لهما المتوكل بعده ، و أظهر العدل و الإنصاف في
الرعية ، فمالت إليه القلوب مع شدة هيبتهم له ، و كان كريماً حليماً .
و من كلامه : لذة العفو أعذب من لذة التشفي ، و أقبح أفعال المقتدر الانتقام .
و لما ولي صار يسب الأتراك و يقول : هؤلاء قتلة الخلفاء ، فعملوا عليه ، و هموا به
، فعجزوا عنه لأنه كان مهيباً شجاعاً ، فطناً ، متحرزاً ، فتحيلوا إلى أن دسوا إلى
طبيبه ابن طيفور ثلاثين ألف دينار في مرضه ، فأشار بفصده ثم فصده بريشة مسمومة فمات
، و يقال : إن ابن طيفور نسي ذلك و مرض ، فأمر غلامه ففصده بتلك الريشة ، فمات
أيضاً ، و قيل : بل سم في كمثراة ، و قيل : مات بالخوانيق ، و لما احتضر قال : يا
أماه ذهبت مني الدنيا و الآخرة عاجلت أبي فعوجلت .
مات في خامس ربيع الآخر سنة ثمان و أربعين ، عن ست و عشرين سنة أو دونها ، فلم يمتع
بالخلافة إلا أشهراً معدودة دون ستة أشهر ، و قيل : إنه جلس في بعض الأيام للهو ، و
قد استخرج من خزائن أبيه فرشاً ، فأمر بفرشها في المجلس فرأى في بعض البسط دائرة
فيها فارس و عليه تاج و حوله كتابة فاريسية ، فطلب من يقرأ ذلك ، فأحضر رجل ، فنظره
، فقطب ، فقال : ما هذه ؟ قال : لا معنى لها ، فألح عليه ، فقال : أنا شيرويه ابن
كسرى بن هرمز ، قتلت أبي فلم أتمتع بالملك إلا ستة أشهر ، فتغير وجه المنتصر ، و
أمر بإحراق البساط ، و كان منسوجاً بالذهب .
و في لطائف المعارف للثعالبي : أعرق الخلفاء في الخلافة المنتصر ، فإنه هو و آباؤه
الخمسة خلفاء ، و كذلك أخواه المعتز و المعتمد .
قلت : أعرق منه المستعصم الذي قتله التتار ، فإن آباءه الثمانية خلفاء .
قال الثعالبي : و من العجائب أن أعرق الأكاسرة في
الملك ـ و هو شيرويه ـ قتل أباه فلم يعش بعده إلا ستة أشهر ، و أعرق الخلفاء في
الخلافة ـ و هو المنتصر ـ قتل أباه فلم يمتع بعده سوى ستة أشهر .
|