|
|
المهتدي بالله
محمد بن الواثق بن المعتصم 255 هـ ـ 256 هـ
المهتدي باله الخليفة الصالح : محمد أبو إسحاق ـ و قيل : أبو عبد الله ـ بن الواثق
بن المعتصم بن الرشيد ، أمه أم ولد تسمى وردة ، ولد في خلافة جده سنة بضع عشرة و
مائتين ، و بويع بالخلافة لليلة بقيت من رجب سنة خمس و خمسين و مائتين و ما قبل
بيعته أحد حتى أتي بالمعتز ، فقام المهتدي له و سلم عليه بالخلافة ، و جلس بين يديه
، فجيء بالشهود فشهدوا على المعتز أنه عاجز عن الخلافة ، فاعترف بذلك و مد يده
فبايع المهتدي ، فارتفع حينئذ المهتدي الى صدر المجلس .
و كان المهتدي أسمر ، رقيقاً ، مليح الوجه ، ورعاً ، متعبداً ، عادلاً ، قوياً في
أمر الله ، بطلاً ، شجاعاً لكنه لم يجد ناصراً و لا معيناً .
قال الخطيب : لم يزل صائماً منذ ولي إلى أن قتل ، و قال هاشم بن القاسم : كنت بحضرة
المهتدي عشية في رمضان ، فوثبت لأنصرف ، فقال لي : اجلس ، فجلست ، و تقدم فصلى بنا
، ثم دعا بالطعام ، فأحضر طبق خلاف و عليه رغيف من الخبز النقي ، و فيه آنية فيها
ملح و خل و زيت ، دعاني إلى الأكل ، فابتدأت آكل ظاناً أنه سيؤتى بطعام ، فنظر إلي
و قال : ألم تك صائماً ؟ قلت : بلى ، قال : أفلست عازماً على الصوم ؟ فقلت : كيف لا
و هو رمضان ؟ فقال : كل و استوف فليس ههنا من الطعام غير ما ترى ، فعجبت ، ثم قلت :
و لم يا أمير المؤمنين و قد أسبغ الله نعمته عليك ؟ فقال : إن الأمر ما وصفت ، و
لكني فكرت في أنه كان في بني أمية عمر بن عبد العزيز ـ و كان من التقلل و التقشف
على ما بلغك ـ فغرت على بني هاشم ، فأخذت نفسي بما رأيت .
و قال جعفر بن عبد الواحد : ذاكرت المهتدي بشيء ، فقلت له : كان
أحمد بن حنبل يقول به ، و لكنه كان يخالف ـ أشير إلى
من مضى من آبائه ـ فقال : رحم الله أحمد ابن حنبل ! و
الله لو جاز لي أن أتبرأ من أبي لتبرأت منه ، ثم قال لي : تكلم بالحق و قل به ، فإن
وقال نفطويه : حدثني بعض الهاشميين أنه وجد للمهتدي
سفط فيه جبة صوف و كساء كان يلبسه بالليل و يصلي فيه ، و كان قد اطرح الملاهي ، و
حرم الغناء ، و حسم أصحاب السلطان عن الظلم ، و كان شديد الإشراف على أمر الدواوين
، يجلس بنفسه ، و يجلس الكتاب بين يديه ، فيعملون الحساب ، و كان لا يخل بالجلوس
الاثنين و الخميس ، و ضرب جماعة من الرؤساء ، و نفي جعفر بن محمود إلى بغداد ، و
كره مكانه لأنه نسب عنده إلى الرفض .
و قدم موسى بن بغا من الري يريد سامرا لقتل صالح بن وصيف بدم المعتز ، و أخذ أموال
أمه و معه جيشه ، فصاحت العامة على ابن وصيف : يا فرعون قد جاءك موسى ، فطلب موسى
بن بغا الإذن على المهتدي ، فلم يأذن له ، فهجم بمن معه عليه ـ و هو جالس في دار
العدل ـ فأقاموه ، و حملوه على فرس ضعيفة ، و انتهبوا القصر ، و أدخلوا المهتدي إلى
دار ناجود و هو يقول : يا موسى اتق الله ، ويحك ! ما تريد ؟ قال : و الله ما نريد
إلا خيراً ، فاحلف لنا أن لا تمالىء صالح بن وصيف ، فحلف لهم ، فبايعوه حينئذ ثم
طلبوا صالحاً ليناظروه على أفعاله ، فاختفى ، و ندبهم المهتدي إلى الصلح فاتهموه
أنه يدري مكانه ، فجري في ذلك كلام ، ثم تكلموا في خلعه ، فخرج إليهم المهتدي من
الغد متقلداً بسيفه ، فقال : قد بلغني شأنكم ، و لست كمن تقدمني مثل المستعين و
المعتز ، و الله ما خرجت إليكم إلا و أنا متحنط ، و قد أوصيت ، و هذا سيفي ، و الله
لأضربن به ما استمسكت قائمته بيدي ، أما دين ، أما حياء ، أما دعة ؟ لم يكن الخلاف
على الخلفاء و الجرأة على الله ؟ ثم قال : ما أعلم علم صالح ، فرضوا و انفضوا ، و
نادى موسى بن بغا : من جاء بصالح فله عشرة ألاف دينار ، فلم يظفر به أحد ، و اتفق
أن بعض الغلمان دخل زقاقاً وقت الحر ، فرأى باباً مفتوحاً فدخل فمشي في دهليز مظلم
، فرأى صالحاً نائماً فعرفه ـ و ليس عنده أحد ـ فجاء إلى موسى فأخبره ، فبعث جماعة
فأخذوه و قطعت رأسه و طيف به ، و تألم المهتدي لذلك في الباطن ، ثم رحل موسى و معه
بكيال الى السن في طلب مساور ، فكتب المهتدي الى بكيال أن يقتل موسى و مفلحاً أحد
أمراء الأتراك أيضاً أو يمسكهما ، و يكون هو الأمير على الأتراك كلهم ، فأوقف بكيال
موسى على كتابه ، و قال : إني لست أفرح بهذا ، و إنما هذا يعمل علينا كلنا ،
فاجمعوا على قتل المهتدي ، و ساروا إليه ، فقاتل عن المهتدي المغاربة ، و الفراغنة
، و الأشروسنية ، و قتل من الأتراك في يوم أربة آلاف ، و دام القتال الى أن هزم جيش
الخليفة ، و أمسك هو فعصر على خصيتيه فمات ، و ذلك في رجب سنة ست و خمسين ، فكانت
خلافته سنة إلا خمسة عشر يوماً ، و كان لما قامت الأتراك عليه ثار العوام ، و كتبوا
رقاعاً و ألقوها في المساجد : يا معشر المسلمين ، ادعوا الله لخليفتكم العدل الرضا
المضاهي لعمر بن عبد العزيز أن ينصره الله على عدوه . |
|
|