|
|
|
|
|
|
|
|
معركة حطين يعتقد بعض الناس أن معركة حطين نهاية الفرنج
في المنطقة ، والحقيقة أنها بداية النهاية ، إذ استمرت الحروب بعدها
قرابة القرن انتهت أخيراً باقتلاع الممالك الإفرنجية من ساحل الشام
وفلسطين ، فحطين لم تحطم ممالك الفرنج ولم تقض عليها نهائياً ، بل أسست
بداية جديدة لموازين القوى ، وأكدت أن قوة الفرنج يمكن أن تقهر ، فقد
كانت معركة فاصلة بين حدين ، أي أنها ختمت مرحلة التراجع والهزائم
وأسست مرحلة الانتصارات والتقدم .
لقد بدأ صلاح الدين بداية
حكمه مصر عام 564 هـ ، وأول مواجهة جدية كانت له مع الصليبيين هي حطين
وذلك عام 583هـ ، وبين هذين التاريخين مناوشات محدودة مع الصليبيين ،
فصلاح الدين لم يستل سيفه منذ اليوم الأول وبدأ هجومه المعاكس على
الممالك الإفرنجية بل أخذ وقته في الإعداد والتنظيم والدراسة والمراقبة
وتفحص مواقع القوة والضعف .
بدأ فيها تثبيت الأوضاع في مصر ،
وأسقط فيها الدولة الفاطمية فيها ، وأقام الخطبة والحكم للخلافة
العباسية ، فلما توفي نور الدين سنة 568هـ بدأ صلاح الدين ببلاد الشام
ليضمها تحت إمرته ففتح دمشق وحمص وحلب وحماة وحلب وغيرها ، وفتح اليمن
، وأمن الطريق للحجاج إلى مكة والمدينة ، وأسقط المكوس ، ونشر العدل ،
وأعد الجيوش ، حتى كانت المعركة الفاصلة في حطين ، فماذا جرى في حطين ؟
قال ابن كثير : ( برز السلطان من دمشق يوم السبت مستهل محرم في
جيشه ، فسار إلى رأس الماء فنزل ولده الأفضل هناك في طائفة من الجيش ،
وتقدم السلطان ببقية الجيش إلى بصرى فخيم على قصر أبي سلام ، ينتظر
قدوم الحجاج ليسلموا من معرة برنس الكرك ، فلما جاز الحجيج سالمين سار
السلطان فنزل على الكرك وقطع ما حوله من الأشجار ، ورعى الزرع وأكلوا
الثمار ، وجاءت العساكر المصرية وتوافت الجيوش المشرقية ، فنزلوا عند
السلطان على رأس الماء ، وبعث الأفضل سرية نحو بلاد الفرنج فقتلت وغنمت
وسلمت ورجعت ، فبشر بمقدمات الفتح والنصر .
وجاء السلطان
بجحافله فالتفت عليه جميع العساكر ، فرتب الجيوش وسار قاصداً بلاد
الساحل ، وكان جملة من معه من المقاتلة اثني عشر ألفاً غير المتطوعة ،
فتسامعت الفرنج بقدومه فاجتمعوا كلهم وتصالحوا فيما بينهم ، وصالح قومس
طرابلس وبرنس الكرك الفاجر ، وجاءوا بحدهم وحديدهم ، واستصحبوا معهم
صليب الصلبوت يحمله منهم عباد الطاغوت وضلال الناسوت ، في خلق لا يعلم
عدتهم إلا الله عز وجل ، يقال :كانوا خمسين ألفاً ، وقيل : ثلاثاً
وستين ألفاً ، وقد خوفهم صاحب طرابلس من المسلمين فاعترض عليه البرنس
صاحب الكرك ، فقال له : لا أشك أنك تحب المسلمين وتخوفنا كثرتهم ،
وسترى غب ما أقول لك ، فتقدموا نحو المسلمين .
وأقبل السلطان
ففتح طبرية و تقوى بما فيها من الأطعمة والأمتعة وغير ذلك ، وتحصنت منه
القلعة فلم يعبأ بها ، وحاز البحيرة في حوزته ومنع الله الكفرة أن
يصلوا منها إلى قطرة ، حتى صاروا في عطش عظيم ، فبرز السلطان إلى سطح
الجبل الغربي من طبرية عند قرية يقال لها حطين ، التي يقال إن فيها قبر
شعيب عليه الصلاة والسلام ، وجاء العدو المخذول ، وكان فيهم صاحب عكا
وكفر نكا وصاحب الناصرة وصاحب صور وغير ذلك من جميع ملوكهم ، فتواجه
الفريقان وتقابل الجيشان ، وأسفر وجه الإيمان واغبر وأقتم وأظلم وجه
الكفر والطغيان ، ودائرة دائرة السوء على عبدة الصلبان ، وذلك عشية يوم
الجمعة ، فبات الناس على مصافهم .
وأصبح صباح يوم السبت الذي
كان يوماً عسيراً على أهل الأحد وذلك لخمس بقين من ربيع الآخر ، فطلعت
الشمس على وجوه الفرنج واشتد الحر وقوي بهم العطش ، وكان تحت أقدام
خيولهم حشيش قد صار هشيماً ، وكان ذلك عليهم مشؤوماً ، فأمر السلطان
النفاطة أن يرموه بالنفط ، فرموه فتأجج ناراً تحت سنابك خيولهم ،
فاجتمع عليهم حر الشمس وحر العطش وحر النار وحر السلاح وحر رشق النبال
، وتبارز الشجعان ، ثم أمر السلطان بالتكبير والحمل الصادقة فحملوا
وكان النصر من الله عز وجل ، فمنحهم الله أكتافهم فقتل منهم ثلاثون
ألفاً في ذلك اليوم ، وأسر ثلاثون ألفاً من شجعانهم وفرسانهم ، وكان في
جملة من أسر جميع ملوكهم سوى قومس طرابلس فإنه انهزم في أول المعركة ،
واستلبهم السلطان صليبهم الأعظم ، وهو الذي يزعمون أنه صلب عليه
المصلوب ، وقد غلفوه بالذهب واللآلئ والجواهر النفيسة ، ولم يسمع بمثل
هذا اليوم في عز الإسلام وأهله ، ودمغ الباطل وأهله ، حتى ذكر أن بعض
الفلاحين رآه بعضهم يقود نيفاً وثلاثين أسيراً من الفرنج ، وقد ربطهم
بطنب خيمة ، وباع بعضهم أسيراً بنعل ليلبسها في رجله ، وجرت أمور لم
يسمع بمثلها إلا في زمن الصحابة والتابعين ، فلله الحمد دائماً كثيراً
طيباً مباركاً ) .
البداية والنهاية 12/320 ، وسقوط القدس
وتحريرها لوليد نويهض
|
|
|
|
|
|
|