|
|
|
|
|
|
|
|
معركة القادسية في العام الرابع عشر للهجرة وفي عهد عمر بن
الخطاب جمع يزدجرد طاقاته ضد المسلمين ، فبلغ ذلك المثنى بن حارثة
الشيباني فكتب إلىعمر ، فقال عمر : والله لأضربن ملوك العجم بملوك
العرب ، وأعلن النفير العام للمسلمين أن يدركوا المسلمين في العراق ،
واجتمع الناس بالمدينة فخرج عمر معهم إلى مكان يبعد عن المدينة ثلاثة
أميال على طريق العراق ، والناس لايدرون ما يريد أن يصنع عمر ، واستشار
عمر الصحابة في قيادته للجيش بنفسه فقرروا أن يبعث على رأس الجيش رجلاً
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقيم هو ولا يخرج ، واستشارهم
فيمن يقود الجيش فقال عبد الرحمن بن عوف : إليك الأسد في براثنه ، سعد
بن أبي وقاص ، إنه الأسد عادياً .
فاستدعاه عمر ووصاه ، وأوصى
الجيش الذي معه ، وأمر سعد الجيش بالسير ومعه أربعة آلاف ، ثم أمده
بألفي يماني ، وألفي نجديّ ، وكان مع المثنى ثمانية آلاف ، ومات المثنى
قبل وصول سعد ، وتتابعت الإمدادات حتى صار مع سعد ثلاثون ألفاً ، منهم
تسعة وتسعون بدرياً ، وثلاثمائة وبضعة عشر ممن كان له صحبة فيما بين
بيعة الرضوان إلى ما فوق ذلك وثلاثمائة ممن شهد الفتح وسبعمائة من
أبناء الصحابة ، فنظم الجيش ، وجعل على الميمنة عبدالله بن المعتم ،
وعلى الميسرة شرحبيل بن السمط الكندي ، وجعل خليفته إذا استشهد خالد بن
عرفطة ، وجعل عاصم بن عمرو التميمي ، وسواد بن مالك على الطلائع ،
وسلمان بن ربيعة الباهلي على المجردة ، وعلى الرجالة حمال بن مالك
الأسدي ، وعلى الركبان عبد الله بن ذي السهمي ، وجعل داعيتهم سلمان
الفارسي ، والكاتب زياد بن أبيه ، وعلى القضاء بينهم عبدالرحمن بن
ربيعة الباهلي .
أما الفرس فقد أجبر يزدجرد رستم على قيادة
الجيش الفارسي بنفسه ، وأرسل سعد وفداً إلى رستم فيهم : النعمان بن
مقرن المزني ، وبسر بن أبي رهم ، والمغيرة بن شعبة ، والمغيرة بن زرارة
.
وسار رستم وفي مقدمته ( الجالينوس ) في أربعين ألفاً ، وخرج
هو في ستين ألفاً ، وفي ساقته عشرون ألفاً ، وجعل في ميمنته ( الهرمزان
) ، وعلى الميسرة ( مهران بن بهرام ) ، وهكذا تجمع لرستم 120ألفاً . ثم
سار رستم حتى وصل الحيرة ثم النجف حتى وصل القادسية ومعه سبعون فيلاً ،
وأرسل إلى سعد أن ابعث إلينا رجلاً نكلمه ويكلمنا ، فأرسل له ربعي بن
عامر فدار بينهما حوار مشهور ، وفي اليوم الثاني طلب رستم مقابلة ربعي
فبعث له حذيفة بن محصن ليعلم رستم أن الجيش على قلب واحد ، فحاوره بما
يشبه الحوار الأول ، وفي اليوم الثالث طلب رستم رجلاً آخر فأرسل له
المغيرة بن شعبة ودار بينهما حوار جديد .
وعبر الفرس النهر في
الصباح ونظموا جيشهم ، ونظم سعد جيشه وحثهم على السمع والطاعة لنائبه
خالد بن عرفطة لأن سعداً أصابته دمامل في فخذيه وإليتيه ، فكان ينام
على وجهه ، وفي صدره وسادة ، ويقود المعركة من فوق قصره ، وصلى
المسلمون الظهر ، وكبر سعد التكبيرة الأولى فاستعدوا ، وكبر الثانية
فلبسوا عدتهم ، وكبر الثالثة فنشط الفرسان ، وكبر الرابعة فزحف الجميع
، وبدأ القتال والتلاحم .
ولما رأت خيل المسلمين الفيلة نفرت
وركز الفرس ب (17) فيلاً على قبيلة بجيلة فكادت تهلك ، فأرسل سعد إلى
بني أسد أن دافعوا عن بجيلة ، فأبلوا بلاء حسناً وردوا عنهم هجمة
الفيلة ، ولكن الفيلة عادت للفتك بقبيلة أسد، فنادى سعد عاصم بن عمرو
ليصنع شيئاً بالفيلة ، فأخذ رجالاً من قومه فقطعوا حبال التوابيت التي
توضع على الفيلة ، فارتفع عواؤها ، فما بقي لهم فيل إلا أعري وقتل
أصحابه ، ونفّس عن قبيلة أسد ، واقتتل الفريقان حتى الغروب ، وأصيب من
أسد تلك العشية خمسمائة كانوا ردء للناس ، وهذا هو اليوم الأول من
المعركة ويسمى أرماث ، وهو الرابع عشر من المحرم .
وفي اليوم
الثاني أصبح القوم فوكل سعد بالقتلى والجرحى من ينقلهم ، وسلم الجرحى إ
لى النساء ليقمن عليهم ، وفي أثناء ذلك طلعت نواصي الخيل قادمة من
الشام وكان في مقدمتها هاشم بن عتبة بن أبي وقاص والقعقاع بن عمرو
التميمي ، وقسم القعقاع جيشه إلى أعشار وهم ألف فارس ، وانطلق أول عشرة
ومعهم القعقاع ، فلما وصلوا تبعتهم العشرة الثانية ، وهكذا حتى تكامل
وصولهم في المساء ، فألقى بهذا الرعب في قلوب الفرس ، فقد ظنوا أن مائة
ألف قد وصلوا من الشام ، فهبطت هممهم ، ونازل القعقاع ( بهمن جاذويه )
أول وصوله فقتله ، ولم ير أهل فارس في هذا اليوم شيئاً يعجبهم فقد أكثر
المسلمون فيهم القتل ، ولم يقاتل الفرس بالفيلة في هذا اليوم لأن
توابيتها قد تكسرت بالأمس فاشتغلوا هذا اليوم بإصلاحها ، وألبس بعض
المسلمين إبلهم فهي مجللة مبرقعة ، وأمرهم القعقاع أن يحملوا على خيل
الفرس يتشبهون بها بالفيلة ، ففعلوا بهم هذا اليوم ، وهو يوم أغواث ،
كما فعلت فارس يوم أرماث ، فجعلت خيل الفرس تفر منها ، وقاتلت الفرس
حتى انتصف النهار ، فلما اعتدل النهار تزاحفوا من جديد حتى انتصف الليل
، فكانت ليلة أرماث تدعى الهدأة ، وليلة أغواث تدعى السواد
.
أصبح القوم لليوم الثالث وبين الصفين من قتلى المسلمين ألفان
، ومن جريح وميت من المشركين عشرة آلاف ، فنقل المسلمون قتلاهم إلى
المقابر والجرحى إلى النساء ، وأما قتلى الفرس فبين الصفين لم ينقلوا
.
وبات القعقاع لاينام ، فجعل يسرب أصحابه إلى المكان الذي
فارقهم فيه بالأمس ، وقال : إذا طلعت الشمس فأقبلوا مائة مائة ، ففعلوا
ذلك في الصباح ، فزاد ذلك في هبوط معنويات الفرس .
وابتدأ
القتال في الصباح في هذا اليوم الثالث وسمي يوم عمواس ، والفرس قد
أصلحوا التوابيت ، فأقبلت الفيلة يحميها الرجالة فنفرت الخيل ، ورأ ى
سعد الفيلة عادت لفعلها يوم أرماث فقال لعاصم بن عمرو والقعقاع :
اكفياني الفيل الأبيض ، وقال لحمال والربيل : اكفياني الفيل الأجرب
،فأخذ الأولان رمحين وتقدما نحو الفيل الأبيض فوضعا رمحيهما في عيني
الفيل الأبيض ، فنفض رأسه وطرح ساسته ، ودلى مشفره فضربه القعقاع فوقع
لجنبه ، وحمل الآخران على الفيل الأجرب فطعنه حمال في عينه فجلس ثم
استوى ، وضربه الربيل فأبان مشفره ، فأفلت الأجرب جريحاً وولى وألقى
نفسه في النهر ، واتبعته الفيلة وعدت حتى وصلت المدائن ، ثم تزاحف
الجيشان فاجتلدوا ، وسميت هذه الليلة ليلة الهرير ، وفي هذه الليلة حمل
القعقاع وأخوه عاصم والجيش على الفرس بعد صلاة العشاء ، فكان القتال
حتى الصباح ، وانقطعت الأخبار عن سعد ورستم ، فلم ينم الناس تلك الليلة
، وكان القعقاع محور المعركة .
فلما جاء ت الظهيرة كان أول من
زال عن مكانه الفيرزان والهرمزان فانفرج القلب ، وأرسل الله ريحاً هوت
بسرير رستم ، وعلاه الغبار، ووصل القعقاع إلى السرير فلم يجد رستم الذي
هرب واستظل تحت بغل فوقه حمله ، فضرب هلال بن علفة الحمل الذي تحته
رستم وهو لايعرف بوجوده ، فهرب رستم إلى النهر فرمى نفسه ، ورآه هلال
فتبعه وارتمى عليه ، فأخرجه من النهر ثم قتله ، ثم صعد طرف السرير وقال
: قتلت رستم ورب الكعبة إلي إلي .
فانهارت حينئذ معنويات الفرس
فانهزموا ، وعبروا النهر فتبعهم السسلمون يخزونهم برماحهم فسقط من
الفرس في النهر ثلاثون ألفاً .
وقتل من المسلمين ليلة الهرير
ويوم القادسية ألفان وخمسممائة ، ومن الفرس في الليلة نفسها عشرة آلآف
، ولحق زهرة بن الحوية الجالينوس فقتله .
معركة القادسية ،
للدكتور شوقي أبو خليل
|
|
|
|
|
|
|