ظهر في أواخر عهد الموحدين ابن هود الذي سعى
لتخليص الأندلس من الموحدين ، ومن النصارى أيضاَ ، وحكم قواعد شرقي
الأندلس ، ودخلت في طاعته جيان وقرطبة وماردة وبطليوس ، وانتزع غرناطة
من المأمون الموحدي سنة 628 هـ ، وحكم ابن الأحمر قواعد أخرى في
الجنوب.
وخاض ابن هود مع فرديناند الثالث ملك قشتالة معركة
انتهت بسقوط ماردة وبطليوس في يد الإسبان النصارى سنة 628هـ ، و هزم
مرة أخرى فسقطت أبدة عام 631هـ ، ثم سار ابن هود لمحاربة خصمه ومنافسه
ابن الأحمر في أحواز غرناطة فوجد النصارى الفرصة سانحة للزحف على قرطبة
التي سقطت بيدهم سنة 633 هـ فكانت من أشد الضربات القاصمة
.
وتوفي ابن هود سنة 635 هـ وبوفاته انهارت دولته ، فسقطت
بلنسية في يد النصارى سنة 636 هـ ، ثم شاطبة ودانية ، وانضوت مرسية تحت
حماية ملك قشتالة سنة 641هـ .
ومع انهيار دولة ابن هود سارع
محمد بن يوسف ابن الأحمر إلى غرناطة ودخلها في أواخر رمضان سنة 635هـ
فغدت مقر حكمه .
ورأى النصارى أن ابن الأحمر أصبح منافسهم الأول
بعد موت ابن هود ، فكانت معركة صغيرة سنة 636 انتصر فيها ابن الأحمر ،
فاغتاظ فرديناند الثالث فأرسل ابنه ألفونسو فاستولى على حصن أرجونة ،
وحاصر غرناطة سنة 642 فردهم ابن الأحمر بخسائر فادحة .
ولمس
ابن الأحمر تفوق النصارى عليه فهادن ملك قشتالة ورضي أن يحكم باسمه ،
وأن يؤدي له الجزية سنوياً وقدرها مائة وخمسون ألف قطعة من الذهب ، وأن
يعاونه في حروبه ضد أعدائه بتقديم عدد من الجند ، وأن يشهد اجتماع مجلس
قشتالة النيابي ، وسلم جيان وأرجونة وغيرها رهينة لحسن طاعته .
وسيطرت إسبانية بذلك على الولايات الشرقية وبقي التهام
الولايات الغربية ، وفي عام 645 ضم النصارى طلبيرة وشلب والخزانة
ومرشوشة والحرة ، وفتحت قرمونة بمعاونة ابن الأحمر ، وبدأ حصار أشبيلية
ودام الحصار ثمانية أشهر ثم استسلمت المدينة للنصارى في 27 رمضان 646هـ
، ثم سقطت مدن أخرى تباعاً لهذا السقوط الكبير ، كل هذا بمعاونة ابن
الأحمر .
وبدأ ابن الأحمر يواجه النصارى بعد أن رأى الخطر يحوم
حوله فبدأ يخرج عن طاعتهم فغزوا أرضه عام 660هـ فردهم ، ثم شددوا
الهجوم عليه بدءاً من عام 663 هـ وبدأت الهزائم تتوالى عليه فاضطر
ثانية لمهادنة النصارى وتنازل لهم عن أكثر من مائة موضع معظمها غربي
الأندلس ، وفي عام 668 هـ ساءت العلاقة بينه وبين النصارى فطلب ابن
الأحمر العون من دولة المرينيين حكام المغرب الأقصى ، وهنا مات ابن
الأحمر وحكم ابنه أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف الذي كان شاعراً
وفقيهاً وسمي محمد الفقيه ، ونهض أمير المرينيين أبو يوسف يعقوب
المنصور المريني ابن عبد الحق لنجدة غرناطة ، وهزم النصارى في معركة
قوية في 25 ربيع الأول سنة 674هـ ، ووطد لحكم بني الأحمر قرابة مدة
مائتين وخمسين عاماً أخرى .
ومرت سنون طويلة كانت العلاقة تسوء
بين بني الأحمر وبين ملك قشتالة ومرة تهدأ الأوضاع ، وكلما ساءت
العلاقة وجاءت نذر الحرب استغاث بنو الأحمر بحلفائهم بني مرين الذين
كانوا يجوزون البحر في كل مرة ليغيثوا إخوانهم من مجازر النصارى ، حتى
سقطت دولة بني مرين وقامت على أنقاضها دولة بين وطاس الضعيفة التي لم
تكن بقوة بني مرين ولا تستطيع جواز البحر لنجدة المسلمين هناك
.
وتوحد الأسبان في مملكة واحدة بزواج فرديناند ملك أراغون
بإيزابيلا وريثة عرش قشتالة ، واستقر العرش لهما ، وكانا ذوي نزعة
صليبية حاقدة ، وكانت غرناطة غارقة في حرب أهلية بين أمير غرناطة أبي
الحسن الملقب الغالب بالله وبين أخيه أبي عبد الله محمد المعروف بالزغل
الذي طلب عون النصارى على أخيه أبي الحسن مراراً ، ثم اتفق الأخوان على
الهدنة والصلح وأن يبقى أبو عبد الله بمالقة وأحوازها.
وحاول
أبو الحسن أن يجدد الهدنة مع قشتالة ولكن الملكين الجديدين رفضا إلا
بعد دفع جزية سنوية فرفض أبو الحسن طلبهما وزحف لقلعة الصخرة وفتح
مدينة رندة .
وكان أبو الحسن قد تزوج من عائشة ابنة عمه السلطان
أبي عبد الله الأيسر وهي المعروفة بعائشة الحرة ، وكانت قوية الشخصية
مع سمو في الروح مع رفيع القيم والمثل ، ورزقت من أبي الحسن بولدين هما
: أبو عبد الله محمد ، وأبو الحجاج يوسف ، وكان أبو الحسن قد ترك
الجهاد وعشق حياة الدعة وغرق في عشق رومية نصرانية اسمها ثريا ، وأصبح
أبو الحسن أداة سهلة في يد زوجته ثريا التي كانت ذات دهاء وأطماع ،
وتريد أن يكون ولدها يحي ولياً للعهد ، وتقدمه على أخيه الأكبر من
عائشة الحرة أبي عبد الله ، وتمكنت ثريا من إقناع أبي الحسن بإقصاء
عائشة وولديها حتى أقنعته باعتقالهم ، فتم ذلك في برج قمارش أمنع أبراج
الحمراء ، وشدد الحجر عليهم ، وانقسم المجتمع الغرناطي إلى فريقين :
فريق يؤيد السلطان وثريا ، وفريق يؤيد الأميرة الشرعية عائشة وولديها .
ولم تستسلم عائشة الحرة فاتصلت بمؤيديها وتمكنت من الهرب من قصر
الحمراء سنة 887 هـ وظهرت في وادي آش عند أنصارها .
وقرر
فرديناند وإيزابيلا البدء بالحرب بعد أن رأوا أن الحرب الأهلية بدأت
تؤتي ثمارها، واستولوا على مكان اسمه الحامة ، الذي يمهد لهم احتلال
غرناطة ومالقة معاً ، وتم لهم ذلك ، ولم يستطع أبو الحسن استردادها ،
ونشبت الثورة داخل غرناطة تعاطفاً مع عائشة وولديها ففر أبو الحسن إلى
مالقة عند أخيه أبي عبد الله محمد بن سعد المعروف بالزغل .
وجلس
أبو عبد الله محمد مكان أبيه على عرش غرناطة سنة 887 هـ ، وعمره 25 سنة
، وأراد أن يحذو حذو المجاهدين فخرج في قوات هزم بها النصارى في عدة
معارك ، ولما عاد مثقلاً بالغنائم داهمه النصارى في ظاهر قلعة اللسانة
، فخسر المعركة وأسر على أثرها ، وعاد الجيش دون ملكه ، وحاولت غرناطة
إعادة أبا الحسن إلى عرشه بدل ابنه الأسير ولكن الإعياء هدمه والمرض
فتك به فتنازل عن العرش لأخيه محمد أبي عبد الله الزغل حاكم مالقة
.