مرت دولة الموحدين بأدوار ثلاثة هي : - دور
نشوء وتأسيس ، ويتمثل بالمهدي بن تومرت ، وعبد المؤمن بن علي
.
- دور العظمة ، ويتمثل بأبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن ،
ويعقوب المنصور ، وبداية عهد محمد الناصر .
- دور الضعف والسقوط
، وبدأ بعد هزيمة العقاب ، وحكم فيه ثمانية حكام . فما هي معركة العقاب
التي كانت أكبر سبب في سقوط دولة الموحدين ؟
عاون القشتاليون
الفرنسيين على محاربة الانجليز سنة 1204 م ، وبعد أن عقد الفرنسيون
والإنجليز الصلح بتدخل البابا ، وأخذ ملك قشتالة ألفونسو يتأهب لمحاربة
المسلمين بكل ماله من قوى ، فحصن قلعة ( مورا ) الواقعة على الحدود مع
الأندلس الإسلامية سنة 1209م، ثم سار في جيش من القشتاليين وفرسان قلعة
رباح إلى الأندلس ، فأحرق زروع الحقول ، ونهب القرى ، وقتل السكان ،
وسبى منهم جموعاً كبيرة ، ثم عاد إلى قشتالة ودعا ملكي نافار وأراغون
ووثق معهما عهود الصلح ، وحصل منهما على وعد بتأييده ، كل ذلك ليمحو
وصمة هزيمة معركة الأرك .
وفي عام 1210م سار ألفونسو ثانية إلى
الأندلس ، وخرب أراضي جيان وبياسة وأندوجار ، ووصل إلى بساتين مرسية ،
وعاد إلى عاصمة ملكه طليطلة مثقلاً بالغنائم .
وحين ذاك أعلن
سلطان الموحدين أبو عبد الله محمد الناصر الجهاد ، فحشد قوات كبيرة
أرسلها من المغرب ، وقسمها إلى خمسة جيوش :
- الجيش الأول : من
قبائل البربر . - الجيش الثاني : من الجنود المغاربة . - الجيش
الثالث : من الجنود الموحدية النظامية . - الجيش الرابع : من
المتطوعة من جميع أنحاء المملكة . - الجيش الخامس : هو جند الأندلس
. وقدر جيش أبي عبد الله محمد الناصر بنصف مليون مجاهد .
وفي
25 ذي القعدة سنة 607هـ ، مايو 1211م جاز الناصر بنفسه إلى الأندلس ،
ونزل في جزيرة طريف ، ثم سار بعد أيام إلى إشبيلية .
وارتكب
الناصر هنا خطأ فادحاً إذ أرسل خيرة جنده إلى حصن سلبطرة فأنهك بذلك
قواهم ، ولبث الجيش أمام الحصن ثمانية أشهر وهو ممتنع عليه ، وأصر
الناصر نزولاً على نصح وزيره أبي سعيد عثمان بن عبد الله بن إبراهيم
ابن جامع ، الإسباني الأصل !!!، الذي كان الموحدون يشكون في صدق نياته
، وكان الناصر يضع فيه كل ثقته ، وأصر الوزير أن لا يتقدم الجيش قبل
الاستيلاء على حصن سلبطرة ، وهكذا استمر الحصار طوال الصيف حتى دخل
الشتاء ، وعانى المغاربة في الجبال الوعرة من قسوة الطقس ، كما أودى
المرض بحياة آلاف منهم ، وأخذت وسائل التموين لهذا الجيش الضخم تصعب
وتتعثر .
وأرسل ألفونسو ولده فرديناند على رأس جيش نفذ إلى
ولاية ( استراما دوره ) محاولاً أن يرغم الموحدين على رفع الحصار ،
ولكن المحاولة لم تنجح ومات فرديناند الذي أودت بحياته مشاق الحرب ،
وسقطت قلعة سلبطرة أخيراً بيد الموحدين ، بسبب الجوع الذي حل بها بعد
انتهاء مخزونها من التموين ، ولكن صمودها الكبير كان سببا ً في إنقاذ
إسبانية النصرانية .
وراع هذا السقوط ألفونسو وجموع النصارى
فخرج إلى قاصية أسبانيا مستنفراً الأمراء والفرسان فاجتمعت له جموع
عظيمة من إسبانية نفسها ومن أوروبا حتى بلغ النفير إلى القسطنطينية
.
وبعث البابا أنوسان الثالث إلى الأساقفة في جنوبي فرنسا بأن
يعظوا رعاياهم بأن يسيروا بأنفسهم وأموالهم لمؤازرة ملك قشتالة ، وأنه
– أي البابا – يمنح كل من لبى الدعوة الغفران التام .
وعقد
ألفونسو مؤتمراً عقد في ( قونقة ) شهده بيدرو ملك أراغون ، ومندوبون من
قبل باقي ملوك النصارى ، وقبل انتهاء الشتاء من عام 1211م اجتمعت في
طليطلة عاصمة قشتالة قوات عظيمة من الفرنسيين والقشتاليين ومن فرسان
قلعة رباح و الاسبتارية والداودية ، وكانت رئاسة المحاربين بيد
الأساقفة ، ووصلت الإمدادات من ليون وجليقية والبرتغال ، وأرسلت
إيطاليا وفرنسا مقادير عظيمة من المال والسلاح والمؤن فتمكن بذلك
ألفونسو من إمداد الجنود بالرواتب المالية المغرية والهدايا النفيسة
.
وأمر البابا بالصوم ثلاثة أيام والاكتفاء بالخبز والماء
التماساً للنصر ، وارتدى الرهبان السواد وساروا حفاة ، وأقيمت الصلوات
الخاصة في الكنائس طلباً للنصر .
وتأهب الجيش النصراني للسير ،
وتقسم الجنود في ثلاثة جيوش ، وسار في الطليعة جيش الوافدين، في ستين
ومائة ألف محارب ، وكان الجيش الثاني مؤلفاً من الأراغونيين
والقطلونيين مع فرسان الداوية ، أما الجيش الثالث فهو أضخم الجيوش
الثلاثة ويقوده الأمير القشتالي سانشو فرنانديز ، ويقدر عدده بثلاثين
ألفاً .
وهاجم الجيوش النصرانية حصن ( مجلون ) وأبادوا جميع من
فيه ، ثم هاجموا قلعة رباح حتى سقطت المدينة في أيديهم واستسلم قائد
الموحدين في القلعة أبو الحجاج يوسف بن قادس على أن تنسحب الحامية بدون
سلاح فوافق الطرفان على هذا ، وانسحب خمسون ألفاً من الجيش النصراني
إلى بلادهم لأن ملك قشتالة لم يقتل الحامية .
وسار الملوك
الثلاثة : ملك قشتالة وملك نافار وملك أرغون إلى مدينة سلبطرة فوجدوها
محصنة فتركوها .
أما أبو عبد الله الناصر فإنه لما وصله ابن
قادس مع الحامية أمر بقتله اعتقاداً منه أنه قصر في ذلك ، استماعاً منه
لنصيحة ابن جامع وزيره المشبوه ، مما أثر على معنويات الجيش المسلم ،
وغادر أبو عبد الله مع جيشه مدينة جيان نحو بياسة ، بينما احتل النصارى
قلعة ( فرال ) ثم غادروها فاحتلها المسلمون على الأثر ، واختار النصارى
مكاناً مرتفعاً يمكن أن ينحدر منه جيشهم دون أن يستطيع الجيش المسلم
إعاقته .