تربع ( سبستيان ) عام
1557م على عرش إمبراطورية البرتغال التي يمتد نفوذها على سواحل إفريقية
وآسية وأمريكية ، فتطلع إلى استخلاص الأماكن المقدسة المسيحية في
المشرق من يد المسلمين ، فاتصل بخاله ملك أسبانيا ( فيليب الثاني )
يدعوه للمشاركة بحملة صليبية جديدة على المغرب العربي كي لا تعيد
الدولة السعدية بمعاونة العثمانيين الكرة على الأندلس .
أما
حكام المغرب الأشراف السعديون فهم من نسل محمد بن انفس الزكية من آل
البيت النبوي ، فبعد دولة المرابطين قامت دولة الموحدين ثم دولة بني
مرين ثم دولة وطاس ، ثم قامت دولة الأشراف السعديين .
وكان من
حكامهم محمد المتوكل على الله وكان فظاً مستبداً ظالماً قتل اثنين من
إخوته عند وصوله إلى الحكم ، وأمر بسجن آخر ، فكرهته الرعية ، فرأى عمه
عبد الملك أنه أولى بالملك من ابن أخيه ، فأضمر المتوكل الفتك بعميه
عبد الملك وأحمد ففرا منه مستنجدين بالعثمانيين ، الذين كتبوا إلى
واليهم على الجزائر ليبعث مع عبد الملك خمسة آلاف من عسكر الترك يدخلون
معه أرض المغرب الأقصى ليعيدوا له الحكم الذي سلبه منه المتوكل الظالم
.
وعندما دخل عبد الملك المغرب مع الأتراك ، وانتصر في معركة
قرب مدينة فاس ، وفر المتوكل من المعركة ، ودخل عبد الملك فاس سنة
983هـ وولى عيها أخاه أحمد ، ثم ضم مراكش ، ففر المتوكل إلى جبال السوس
، فلاحقته جيوش عمه حتى فر إلى سبتة ، ثم دخل طنجة مستصرخاً بملك
البرتغال سبستيان ، بعد أن رفض ملك أسبانيا معونته .
أراد ملك
البرتغال الشاب محو ما وصم به عرش البرتغال خلال فترة حكم أبيه من
الضعف والتخاذل ، كما أراد أن يعلي شأنه بين ملوك أوروبا فجاءته الفرصة
باستنصار المتوكل به على عميه وبن جلدته ، مقابل أن يتنازل له عن جميع
شواطئ المغرب .
استعان سبستيان بخاله ملك أسبانيا فوعده أن
يمده بالمراكب والعساكر ما يملك به مدينة العرائش لأنه يعتقد أنها تعدل
سائر مراسي المغرب ، ثم أمده بعشرين ألفاً من عسكر الأسبان ، وكان
سبستيان قد عبأ معه اثني عشر ألفاً من البرتغال ، كما أرسل إليه
الطليان ثلاثة آلاف ، ومثلها من الألمان وغيرهم عددا ًكثيراً ، وبعث
إليه البابا بأربعة آلاف أخرى ، وبألف وخمس مائة من الخيل ، واثني عشر
مدفعا ً ، وجمع سبستيان نحو ألف مركب ليحمل هذه الجموع إلى العدوة
المغربية . وقد حذر ملك أسبانيا ابن أخته عاقبة التوغل في أرض المغرب
ولكنه لم يلتفت لذلك .
مسيرة الجيشين إلى وادي المخازن
:
الجيش البرتغالي : أبحرت السفن الصليبية من ميناء لشبونة
باتجاه المغرب يوم 24 يونيو 1578م ، وأقامت في لاكوس بضعة أيام ، ثم
توجهت إلى قادس وأقامت أسبوعاً كاملاً ، ثم رست بطنجة ، وفيها لقي
سبستيان حليفه المتوكل ، ثم تابعت السفن سيرها إلى أصيلا ، وأقام
سبستيان بطنجة يوماً واحداً ، ثم لحق بجيشه .
الجيش المغربي :
كانت الصرخة في كل أنحاء المغرب : ( أن اقصدوا وادي المخازن للجهاد في
سبيل الله ) ، فتجمعت الجموع الشعبية وتشوقت للنصر أو الشهادة ، وكتب
عبد الملك من مراكش إلى سبستيان : ( إن سطوتك قد ظهرت في خروجك من أرضك
، وجوازك العدوة ، فإن ثبت إلى أن نقدم عليك ، فأنت نصراني حقيقي شجاع
، وإلا فأنت كلب بن كلب ) . فلما بلغه الكتاب غضب واستشار أصحابه
فأشاروا عليه أن يتقدم ، ويملك تطاوين والعرائش والقصر ، ويجمع ما فيها
من العدة ويتقوى بما فيها من الذخائر ، ولكن سبستيان تريث رغم إشارة
رجاله ، وكتب عبد الملك إلى أخيه أحمد أن يخرج بجند فاس وما حولها
ويتهيأ للقتال ، وهكذا سار أهل مراكش وجنوبي المغرب بقيادة عبد الملك
وسار أخوه أحمد بأهل فاس وما حولها ، وكان اللقاء قرب محلة القصر
الكبير .