تولى أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن
علي القيسي الكومي خلافة الموحدين بعد استشهاد أبيه مجاهدا ً ضد
النصارى في الأندلس ، وذلك في جمادى الأولى سنة 580هـ ، وانشغل بإخماد
الثورات التي قامت ضده في أفريقية ، حتى كتب ألفونسو السادس خطاباً
يدعوه فيه إلى القتال فيه سخرية واستهانة بالمسلمين ، فلما قرأ أبو
يوسف الخطاب كتب على ظهر رقعة منه : { ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا
قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون } الجواب ما ترى لا ما
تسمع .
واشتد حنق أبي يوسف ، وأمر بالتأهب للحرب في الأندلس ،
وأن يذاع الخطاب في جنود الموحدين ليثير غيرتهم ، فثار الناس للجهاد
ودوت صيحة الجهاد في جميع أنحاء المغرب ضد النصارى ، وسير قواته إلى
الأندلس ، وعبر إلى الجزيرة الخضراء في 20/7/591هـ ، ولم يسترح بها إلا
قليلاً ، ثم بادر بالسير إلى قشتالة ، ولكنه لما علم أن ملك قشتالة قد
حشد قواه شمال قلعة رباح على مقربة من قلعة الأرك – الأرك نقطة الحدود
بين قشتالة والأندلس في حينه - اتجه بجيشه إلى ذلك المكان ، ولما وصل
إلى قيد مسيرة يومين من جيش النصارى ضرب معسكره وعقد مجلساً من القادة
والأشياخ للبحث في خطط المعركة .
مرت أيام عديدة لم يقع فيها
اشتباك ، وسأل أبو يوسف مجلسه الاستشاري عن الخطة المناسبة ، وطلب رأي
أبي عبد الله بن صناديد الذي كان من أعقل وأخبر زعماء الأندلس بمكائد
الحروب ، الذي كان من آرائه أن توضع خطة موحدة لتسيير دفة الحرب ، وأن
يجب اختيار قائد عام للجيش كله فاختار أبو يوسف كبير وزرائه أبا يحيى
بن أبي حفص الذي امتاز بالفطنة والشجاعة .
وأن يتولى قيادة
الأندلسيين زعماؤهم حتى لا تضعف حماستهم حينما يتولى الأجانب قيادتهم ،
وأن يتولى الأندلسيون والموحدون لقاء العدو ومواجهة هجومه الأول ، وأما
بقية الجيش المكون من قبائل البربر غير النظاميين وجمهرة كبيرة من
المجاهدين والمحاربين فإنهم يكونون قوة احتياطية تقوم بالعون والإمداد
، وأما أبو يوسف المنصور فيستطيع بحرسه أن يرجح كفة الموقعة كلها ،
ويجب أن يرابط بقواته وراء التلال على مسافة قريبة منا ، ثم ينقض فجأة
على العدو ، كل هذه الآراء أبداها الزعيم الأندلسي ووافق عليها أبو
يوسف المنصور وأمر بتنفيذها .
وحشد ألفونسو قوات هائلة من
مملكته ، وقدم إليه فرسان قلعة رباح ، وفرسان الداوية ، واستطاع أن
يحشد مائة ألف مقاتل في رواية ، وأكر عدد ذكرته الروايات ثلاثمائة ألف
مقاتل ، ومع ذلك طلب مساعدة ملكي ليون ونافار النصرانيين اللذين جمعا
حشوداً ولكنهما تباطآ في المجيء للمساعدة .
وفي 9 شعبان 591هـ
كانت موقعة الأرك الفاصلة ، وأعد أبو يوسف المنصور جيشه الذي يساوي على
الأغلب عدد جيش النصارى ، فاحتل الموحدون القلب ، واحتل الجناح الأيسر
الجند العرب – أعقاب فاتحي المغرب المسلمين - ، ومعهم بعض القبائل
البربرية تحت ألويتهم الخاصة ، واحتل الجناح الأيمن قوى الأندلس بقيادة
عبد الله بن صناديد ، وتولى أبو يوسف قيادة القوة الاحتياطية مكونة من
صفوة الجند ومن الحرس الملكي ، ودفعت صفوف المتطوعين ، ومعظمها مكون من
الجنود الخفيفة إلى المقدمة لتفتتح القتال .