|
|
|
|
|
|
|
|
معركة نهاوند ( فتح الفتوح ) لما انتصر المسلمون في القادسية على الفرس
كاتب يزدجرد أهل الباب والسند وحلوان ليجتمعوا فيوجهوا ضربة حاسمة
للمسلمين ، فتكاتبوا واجتمعوا في نهاوند .
وأرسل سعد بن أبي
وقاص إلى عمر : ( بلغ الفرس خمسين ومائة ألف مقاتل ، فإن جاؤونا قبل أن
نبادرهم الشدة ازدادوا جرأة وقوة ، وإن نحن عاجلناهم كان لنا ذلك
).
وأرسل عمر إلى سعد محمد بن مسلمة ليخبره أن يستعد الناس
لملاقاة الفرس ، فغادر سعد الكوفة إلى المدينة ليخبر عمر بخطورة الموقف
شفاهة ، فجمع عمر المسلمين في المدينة ، وخطب فيهم وشرح لهم خطورة
الوضع ، واستشارهم ، وأشاروا عليه أن يقيم هو بالمدينة ، وأن يكتب إلى
أهل الكوفة فليخرج ثلثاهم لمساعدة الجيش الإسلامي وأهل البصرة بمن
عندهم . ثم قال عمر : أشيروا عليّ برجل يكون أوليه ذلك الثغر غداً ،
فقالوا : أنت أفضل رأياً وأحسن مقدرة ، فقال : أما والله لأولين أمرهم
رجلاً ليكونن أول الأسنة – أي : أول من يقابل الرماح بوجهه – إذا لقيها
غداً ، فقيل : من يا أمير المؤمنين ؟ فقال : النعمان بن مقرن المزني ،
فقالوا : هو لها .
ودخل عمر المسجد ورأى النعمان يصلي ،فلما
قضى صلاته بادره عمر : لقد انتدبتك لعمل ، فقال : إن يكن جباية للضرائب
فلا ، وإن يكن جهاداً في سبيل الله فنعم . وانطلق النعمان عام (21 )
للهجرة يقود الجيش ، وبرفقته بعض الصحابة الكرام .
وطرح الفرس
حسك الحديد – مثل الشوك يكون من الحديد – حول مدينة نهاوند ، فبعث
النعمان عيوناً فساروا لايعلمون بالحسك ، فزجر بعضهم فرسه فدخلت في يده
حسكة ، فلم يبرح الفرس مكانه ، فنزل صاحبه ونظر في يده فإذا في حافره
حسكة ، فعاد وأخبر النعمان بالخبر ، فاستشار جيشه فقال : ماترون؟
فقالوا : انتقل من منزلك هذا حتى يروا أنك هارب منهم ، فيخرجوا في طلبك
، فانتقل النعمان من منزله ذلك ، وكنست الأعاجم الحسك فخرجوا في طلبه ،
فرجع النعمان ومن معه عليهم ، وقد عبأ الكتائب ونظم جيشه وعدده ثلاثون
ألفاً ، وجعل علىمقدمة الجيش نعيم بن مقرن ، وعلى المجنبتين :
حذيفة بن اليمان وسويد بن مقرن ، وعلى المجردة القعقاع بن عمرو ، وعلى
الساقة مجاشع بن مسعود ، ونظم الفرس قواتهم تحت إمرة (الفيرزان) ، وعلى
مجنبتتيه (الزردق) و(بهمن جاذويه) الذي ترك مكانه ل( ذي الحاجب ) .
أنشب النعمان القتال يوم الأربعاء ، ودام على شكل مناوشات حادة
إلى يوم الخميس ، والحرب سجال بين الفريقين ، وكان الفرس خلالها في
خنادق .
وخشي المسلمون أن يطول الأمر فاستشار النعمان أصحابه ،
فتكلم قوم فردت آراؤهم ، ثم تكلم طليحة فقال :أرى أن تبعث خيلاً مؤدبة
، فيحدقوا بهم ، ثم يرموا لينشبوا القتال ، ويحمشوهم – أي يغضبوهم – ،
فإذا أحمشوهم واختلطوا بهم وأرادوا الخروج أرزوا – أي انضموا- إلينا
استطراداً – أي خديعة - .. وأقر الجميع هذا الرأي فأمر النعمان القعقاع
أن ينشب القتال فأنشبه ، فخرج الفرس من خنادقهم ، فلما خرجوا نكص
القعقاع بجنده ، ثم نكص ثم نكص ، وخرج الفرس جميعاً فلم يبق أحد إلا
حرس الأبواب ،حتى انضم القعقاع إلى الناس ، والنعمان والمسلمون
علىتعبيتهم في يوم جمعة في صدر النهار ، وأقبل الفرس على الناس يرمونهم
حتى أفشوا فيه الجراحات ، والمسلمون يطلبون من النعمان الإذن بالقتال ،
وبقي النعمان يطلب منهم الصبر .
فلما جاء الزوال وتفيأت الأفياء
وهبت الرياح أمر بالقتال ، كل ذلك إحياء لسنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم الذي كان يختار هذا الوقت للقتال ، وعندئذ ركب فرسه وبدأ يحرض
المسلمين على القتال ، ثم قال : فإن قتلت فلأمير بعدي حذيفة ، وإن قتل
فلان .. وعد سبعة .
وكبر النعمان التكبيرة الأولى ثم الثانية ،
ثم قال : اللهم اعزز دينك وانصر عبادك ، واجعل النعمان أول شهيد اليوم
على إعزاز دينك ونصر عبادك ، اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح
يكون فيه عزالإسلام ، أمنوا رحمكم الله . فبكى الناس .
وكبر
النعمان التكبيرة الثالثة ، وبدأ القتال ، وأثناء تقدم القائد بدأ
الفرس يتركون الساحة وزلق بالقائد فرسه من كثرة الدماء في أرض المعركة
، فصرع بين سنابك الخيل ، وجاءه سهم في جنبه ، فرآه أخوه نعيم فسجاه
بثوب ، وأخذ الراية قبل أن تقع وناولها حذيفة بن اليمان فأخذها ، وقال
المغيرة : اكتموا مصاب أميركم حتى ننتظر ما يصنع الله فينا وفيهم ؛
لئلا يهن الناس .
ولما زلق فرس النعمان به لمحه معقل بن يسار
فجاءه بقليل من الماء ، فغسل عن وجهه التراب ، فقال النعمان : من أنت ؟
قال : أنا معقل بن يسار ، قال : ما فعل الناس ؟ قال : فتح الله عليهم ،
قال : الحمد لله ، اكتبوا بذلك إلى عمر ، وفاضت روحه .
ولما
أظلم الليل انهزم الفرس وهربوا دون قصد فوقعوا في واد ، فكان واحدهم
يقع فيقع معه ستة ، فمات في هذه المعركة مائة ألف أو يزيد ، قتل في
الوادي فقط ثمانون ألفاً ، وقتل ذو الحاجب ، وهرب الفيرزان ، وعلم
بهربه القعقاع فتبعه هو ونعيم بن مقرن فأدركاه في واد ضيق فيه قافلة
كبيرة من بغال وحمير محملة عسلاً ذاهبة إلى كسرى ، فلم يجد طريقاً فنزل
عن دابته وصعد في الجبل ليختفي ، فتبعه القعقاع راجلاً فقتله
.
وحزن المسلمون على موت أميرهم وبايعوا بعد المعركة أميرهم
الجديد حذيفة ، ودخلوا نهاوند عام 21هـ بعد أن
فتحوها.
سلسلة المعارك الكبرى في تاريخ الإسلام ، للدكتور
شوقي أبو خليل
|
|
|
|
|
|
|