|
|
|
|
|
|
|
|
معركة اليرموك
بعد الانتهاء من حروب الردة وتسيير خالد
من اليمامة إلى العراق في سنة 13هـ جهز الصديق الجيوش إلى الشام ، فبعث
عمرو بن العاص إلى فلسطين ، وسير يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن
الجراح وشرحبيل بن حسنة ، رضي الله عنهم أجمعين ، آمراً إياهم أن
يسلكوا تبوك على البلقاء ، وكان عدد كل لواء من هذه الألوية الأربعة
ثلاثة آلاف ، ثم توالت النجدات فيما بعد .
وصل الأمراء إلى
الشام ، فنزل أبو عبيدة الجابية على طريق دمشق ، ونزل يزيد البلقاء
مهدداً بصرى ، ونزل شرحبيل الأردن بأعلى الغور فوق طبرية ونهر الأردن ،
وقيل نزل في بصرى ، أما عمرو فقد وصل إلى وادي عربة .
عين
الصديق لكل منهم الولاية التي يتولاها بعد الفتح ، فجعل لعمرو فلسطين ،
وليزيد دمشق ، ولأبي عبيدة حمص ، ولشرحبيل الأردن .
سار الأمراء
إلى أهدافهم ، وعكرمة ردء للناس ، فبلغ الروم ذلك فكتبوا إلى هرقل،
فجاء من حمص ، وأعد الجند ، وجمع العساكر ، وأراد أن يشغل قواد
المسلمين بعضهم عن بعض لكثرة جنوده ، أراد أن يحاربهم متفرقين ، لكن
عمراً تنبه للأمر ، خاصة بعد أن أرسل هرقل تذارق في تسعين ألفاً ، وبعث
جرجة نحو يزيد بن أبي سفيان فعسكر بإزائه ، وبعث الدراقص فاستقبل
شرحبيل بن حسنة ، وبعث الفيقار في ستين ألفاً نحو أبي عبيدة ، فهابهم
المسلمون وخاصة أن جميع ألويتهم تعد واحداً وعشرين ألفاً ، باستثناء
عكرمة فهو في ستة آلاف أيضاً ، فالمجموع سبعة وعشرين ألفاً ، فسأل
الجميع بكتب مستعجلة عمراً : ما الرأي ؟ فراسلهم أن الرأي الاجتماع ،
كما كتب الأمراء إلى أبي بكر بمثل ما كاتبوا به عمراً فكتب إليهم : أن
اجتمعوا فتكونوا عسكراً واحداً .
بلغ ذلك هرقل فكتب إلى
بطارقته أن اجتمعوا لهم ، وانزلوا بالروم منزلاً فسيحاً فيه ماء ،
ويكون ضيّق المهرب لجنوده ، وجعل على الناس التذارق ، وعلى المقدمة
جرجة، وعلى مجنبتيه باهان والدراقص ، وعلى الحرب الفيقار ، ففعلوا
فنزلوا الواقوصة - وهي على ضفة اليرموك - ، وصار الوادي خندقاً لهم ،
وانتقل المسلمون من عسكرهم الذي اجتمعوا فيه فنزلوا عليهم بحذائهم على
طريقهم ، فقال عمرو : أيها الناس أبشروا ، حصرت الروم وقلما جاء محصور
بخير ، إذ أن الروم تتحرك في منبطح فسيح من الأرض تحيط به من ثلاث جهات
الجبال المرتفعة ، فهم محصورون .
وبقي المسلمون أمامهم صفر من
سنة ثلاث عشرة وشهري ربيع لا يقدرون من الروم على شيء ، ولا يخلصون
إليهم ، الواقوصة من ورائهم ، والخندق من أمامهم ، ولا يخرجون خرجة إلا
نصر المسلمون عليهم ، حتى إذا انقضى ربيع الأول كتب أبو بكر الصديق إلى
خالد ليلحق بهم من العراق ، وقد قال في ذلك : خالد لها ، والله لأنسين
الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد .
وقطع خالد المسافة بجيشه
في خمسة أيام ، وفرح المسلمون بخالد ، واشتد غضب الروم بمجيئه ، وقال
هرقل لقواده : أرى من الرأي أن لا تقاتلوا هؤلاء القوم ، وأن تصالحوهم
، فوالله لأن تعطوهم نصف ما أخرجته الشام ، وتأخذوا نصفه ، وتقر لكم
جبال الروم ، خير لكم من أن يغلبوكم على الشام ، ويشاركوكم في جبال
الروم ، ولكنهم أبوا .
واتخذ الطرفان استعداداتهما ، الروم في
أربعين ومائتي ألف ، منهم ثمانون ألفاً مقيدين بالسلاسل كي لا يفروا من
المعركة ، والمسلمون سبعة وعشرون ألفاً ممن كان مقيماً ، إلى أن قدم
إليهم خالد في تسعة آلاف فبلغوا ستة وثلاثين ألفاً ، ومرض الصديق في
هذه الأثناء وتوفي للنصف من جمادى الآخرة قبل الفتح بعشر ليال
.
وعرض خالد على الأمراء أن يكونوا جيشاً واحداً ويتداولوا
الإمارة يوماً بعد يوم ، فوافقوا وأمّروه هو أولاً ، وعلم خالد أن
القتال كل بفرقته سيطول ، وفيه إضعاف للجهود فعبأ الجيش وقسمه إلى
أربعين كردوساً [ أي: كتائب كبيرة ] كل كردوس ينقسم إلى: قلب وميمنة
وميسرة ، وجعل القاضي أبا الدرداء ، والقاص أبا سفيان ، وعلى الغنائم
ابن مسعود ، وقارئ سورة الأنفال المقداد بن عمرو ، وشهد المعركة ألف من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأمر خالد الكراديس كلها
أن تنشب القتال ، وحينئذ وصل البريد إلى خالد بوفاة أبي بكر الصديق
وتأمير أبي عبيدة فأخذ الكتاب وجعله في كنانته وخاف إن أظهر الأمر أن
يضعف معنويات الجند .
ونشب القتال بجد في اليوم الأول ، وزحف
الروم بأعدادهم الكثيرة فردهم المسلمون ، وفي هذا اليوم كثرت الجراح من
كثرة السهام ، واعورّ من المسلمين سبعمائة فارس ، فسمي ذلك اليوم يوم
التعوير ، وفي اليوم الثاني وقف عكرمة وقال: من يبايع على الموت ؟
فبايعه أربعمائة من الرجال ، فقاتلوا حتى أصيبوا جميعاً بجراحات ،
ودامت المعركة يوماً وبعض اليوم ، وكان الهجوم الأخير عاماً على الروم
، واقتحم خالد وجيشه خندق الروم فتساقطوا في الوادي ، وتهافت منهم في
الوادي ثمانون ألفاً .
وانتهت المعركة باستشهاد ثلاثة الآف من
المسلمين ، وقتل من الروم مائة وعشرون ألفاً ، وارتحل هرقل من حمص
مودعاً سورية وداعه الأخير ، وقال : سلام عليك ياسورية ، سلاماً لا
لقاء بعده .
وبعد المعركة أعلن خالد مضمون الكتاب ، واعتزل
الإمارة ، وولاها مكانه أبا عبيدة رضي الله عن الجميع
.
اليرموك ، للدكتور شوقي أبو خليل
|
|
|
|
|
|
|