|
|
|
|
|
|
|
|
فتح سمرقند في سنة 93هـ وبعد أن فتح قتيبة بن مسلم
الباهلي بخارى وما حولها قال المجشر بن مزاحم السلمي لقتيبة : إن لي
حاجة فأخلني ، فأخلاه ، فقال : إن أردت الصغد يوماً من الدهر فالآن ،
فإنهم آمنون من أن تأتيهم من عامك هذا ، وإنما بينك وبينهم عشرة أيام ،
قال : أشار بهذا عليك أحد ؟ قال : لا ، قال : فأعلمته أحداً ؟ قال :لا
، قال : والله لئن تكلم به أحد لأضربن عنقك ، فأقام يومه ذلك ، فلما
أصبح من الغد دعا أخاه عبد الرحمن بن مسلم الباهلي فقال : سر في
الفرسان والرماة ، وقدم الأثقال إلى مرو . فوجهت الأثقال إلى مرو يومه
كله ، فلما أمسى كتب إليه : إذا أصبحت فوجه الأثقال إلى مرو ، وسر في
الفرسان والرماة نحو الصغد ، واكتم الأخبار ، فإني بالأثر .
عبر
عبد الرحمن ومن معه النهر ، وسار إلى سمرقند ، وعبر قتيبة بالأثر ،
وعبر ومن معه نهر جيحون ، وحوصرت سمرقند .
استنجد ( غورك ) ملك
الصغد بعد خوفه من طول الحصار بملك الشاش وبملك فرغانة ، وكتب إليهما :
إن العرب إن ظفروا بنا عادوا عليكم بمثل ما أتونا به فانظروا لأنفسكم .
فأجمع ملك الشاش وفرغانة على نجدة الصغد ، وأرسلا أن شاغلوا قتيبة ومن
معه كي نفاجئهم على حين غرة .
انتخب أهل الشاش وفرغانة كل شديد
السطوة من أبناء الملوك والأمراء والأشداء الأبطال وأمروهم أن يسيروا
إلى قتيبة ليفاجئوه ، ولكن استطلاع قتيبة يقظ فجاءته الأخبار ، فانتخب
ستمائة من أهل النجدة وجعل عليهم أخاه صالح بن مسلم أميراً ، ووضع على
العدو عيوناً حتى إذا قربوا منه قدر ما يصلون إلى عسكره من الليل أدخل
الذين انتخبهم فكلمهم وحضهم ، فخرجوا من العسكر عند المغرب ، فساروا ،
فنزلوا على فرسخين من العسكر على طريق القوم الذين وصفوا لهم ، ففرق
صالح خيله، وأكمن كميناً عن يمينه ، وكميناً عن يساره ، وأقام هو وبعض
فرسانه على قارعة الطريق ، حتى إذا مضى نصف الليل أو ثلثاه ، جاء العدو
باجتماع وإسراع وصمت ، وصالح واقف في خيله ، فلما رأوه شدوا عليه ، حتى
إذا اختلفت الرماح ، شد الكمينان عن يمين وعن شمال ، فلم نسمع إلا
الاعتزاء ، فلم نر قوماً كانوا أشد منهم .
لم يفلت من هذه
النجدات إلا النفر اليسير ، وغنم المسلمون أسلحتهم ، وقال بعض الأسرى :
تعلمون أنكم لم تقتلوا في مقامكم هذا إلا ابن ملك ، أو بطل من الأبطال
المعدودين بمئة فارس ، أو بألف فارس .
وقال فارس مسلم من الجند
الذين كانوا في كمين صالح : إنا لنختلف عليهم بالطعن والضرب إذ تبينت
تحت الليل قتيبة ، وقد ضربت ضربة أعجبتني وأنا أنظر إلى قتيبة ، فقلت :
كيف ترى بأبي أنت وأمي ! قال: اسكت دق الله فاك ! قال: فقتلناهم فلم
يفلت منهم إلا الشريد ، وأقمنا نحوي الأسلاب ونحتز الرؤوس حتى أصبحنا ،
ثم أقبلنا إلى العسكر ، فلم أر جماعة قط جاؤوا بمثل ما جئنا به ، ما
منا رجل إلا معلق رأساً معروفاً باسمه ، وأسير في وثاقه.
لقد
منع قتيبة بهذا الكمين وصول النجدات إلى ميدان المعركة ، مع إشغال
النجدات قبل وصولها بكمين ليلي ، ريثما يتسنى له سحب قطعاته من حوالي
أسوار سمرقند ، والقيام بحركة خاطفة ليلية للقضاء على أرتال النجدات في
معركة ليلية ، في الوقت الذي يكون الكمين قد أوقف تقدمها.
نصب
قتيبة المجانيق حول سمرقند ، ورمت بتركيز دقيق على سور المدينة ، فثلمت
فيها ثملة ، فرممها المدافعون عنها بسرعة كبيرة ، وجاء رجل قام على
الثلمة ، فشتم قتيبة ( بعربية فصيحة ) ، وكان مع قتيبة قوم رماة ،
يُسمون ( رماة الحدق) لدقة تصويبهم ، فقال لهم قتيبة : اختاروا منكم
رجلين ، فاختاروا ، فقال : أيكما يرمي هذا الرجل ، فإن أصابه فله عشرة
آلاف ، وإن أخطأه قطعت يده ، فتلكأ أحدهما وتقدم الآخر ، فرماه فلم
يخطئ عينه ، فأمر له بعشرة آلاف.
قال خالد مولى مسلم بن عمرو :
كنت في رماة قتيبة ، فلما افتتحنا المدينة صعدت السُّور ، فأتيت مقام
ذلك الرجل الذي كان فيه ، فوجدته ميتاً على الحائط ، ما أخطأت النشابة
عينه حتى خرجت من قفاه.
قال غوزك( ملك الصُّغد) لقتيبة: إنما
تقاتلني بإخواني وأهل بيتي ، فاخرج إليّ في العرب ، فغضب قتيبة عند ذلك
، وميز العرب من العجم ، وأمر العجم باعتزالهم ، وقدم الشجعان من العرب
، وأعطاهم جيد السلاح ، وزحف بالأبطال على المدينة ، ورماها بالمجانيق
، فثلم فيها ثلمة ، وقال قتيبة: ( ألحوا عليها حتى تعبروا الثلمة ) ،
فقاتلوهم حتى صاروا على ثلمة المدينة ، عندها قال غوزك لقتيبة : ارجع
عنا يومك هذا ونحن نصالحك غداً ، فقال قتيبة : لا نصالحهم إلا ورجالنا
على الثلمة ، ومجانيقنا تخطر على رؤوسهم ومدينتهم.
وسمع قسم من
المسلمين قتيبة يناجي نفسه: حتى متى يا سمرقند يعشعش فيك الشيطان ، أما
والله لئن أصبحت لأُحاولن من أهلك أقصى غاية.
وفي اليوم التالي
، والمسلمون على الثلمة ، عاود غوزك يطالب بالصلح ، فصالحه قتيبة على :
الجزية ، وتحطيم الأصنام وما في بيوت النيران ، وإخلاء المدينة من
المقاتلة ، وبناء مسجد في المدينة ووضع منبر فيه.
وتم الصلح ،
وأخلوا المدينة ، وبنوا المسجد ، واستلم قتيبة ما صالحهم عليه ، وصلى
في المسجد وخطب فيه ، وأتى بالأصنام ، وألقيت بعضها فوق بعض . حتى صارت
كالقصر العظيم ، ثم أمر بتحريقها ، فتصارخ الأعاجم وتباكوا ، وقالوا:
إن فيها أصناماً قديمة ، من أحرقها هلك ، فقال قتيبة: أنا أحرقها بيدي
، وجاء غوزك فنهى عن ذلك ، وقال لقتيبة: أيها الأمير ، إني لك ناصح ،
وإن شكرك عليّ واجب ، لا تعرض لهذه الأصنام ، فقام قتيبة ، ودعا بالنار
، وأخذ شعلة بيده ، وقال : أنا أحرقها بيدي ، فكيدوني جميعاً ثم لا
تنظرون ، وسار إليها وهو يكبر الله عز وجل ، وألقى فيها النار ،
فاحترقت ، فوجدوا من بقايا ما كان فيها من مسامير الذهب والفضة خمسين
ألف مثقال.
وصنع غوزك طعاماً ، ودعا قتيبة ، فأتاه غي عدد من
أصحابه، فلما تغدى ، استوهب منه المدينة ، فقال قتيبة: إني لا أريد
منكم أكثر مما صالحتكم عليه ، ولكن لا بد من جند يقيمون عندكم من جهتنا
، وأن ينتقل عنها غوزك ، فانتقل عنها ملكها غوزك ، فتلا قتيبة ( وأنه
أهلك عاداً الأولى ، وثمود فما أبقى ) ، ثم ارتحل قتيبة راجعا إلى مرو
، مستخلفاً على سمرقند أخاه عبد الله بن مسلم ، وخلّف عنده عدداً من
الجند كبيراً ، وآلة من آلة الحرب كثيرة ، مع تعليمات حازمة تتعلق
بالداخلين إلى سمرقند ، والخارجين منها.
وكان أهل خراسان يقولون
: إن قتيبة غدر بأهل سمرقند ، فملكها غدراً .
قادة فتح بلاد ما وراء النهر لمحمود
شيت خطاب ، وفتح سمرقند لشوقي أبو خليل
|
|
|
|
|
|
|