|
|
|
|
|
|
|
|
معركة ملاذكرت
لقد قامت الدولة السلجوقية التركية في القرن
الخامس للهجرة لتشمل خراسان وما وراء النهر وإيران والعراق وبلاد الشام
وآسيا الصغرى ، وأسسها طغرل بك السلجوقي الذي استطاع أن يسقط الدولة
البويهية التي كانت مسيطرة على الخلافة العباسية ببغداد عام 447 هـ ،
وأن يؤسس دولته السنية ، ثم توفي سنة 455 هـ وتولى السلطنة من بعده ابن
أخيه ألب أرسلان الذي كان قائدا ًماهراً وشجاعاً كعمه ، فنشر الأمن في
سلطنته الواسعة ، ثم التفت نحو توحيد العالم الإسلامي تحت راية الخلافة
العباسية ونفوذ السلاجقة .
وأغضبت فتوحاته هذه ( دومانوس
ديوجينس ) إمبراطور الروم ، فصمم على القيام بمعركة مضادة للدفاع عن
إمبراطوريته ، ودخلت قواته في مناوشات ومعارك كان أهمها ملاذكرت عام
463 هـ ، فماذا جرى في هذه المعركة ؟
قال ابن كثير : ( وفيها
أقبل ملك الروم أرمانوس في جحافل أمثال الجبال من الروم والرخ والفرنج
، وعدد عظيم وعُدد ، ومعه خمسة وثلاثون ألفاً من البطارقة ، مع كل
بطريق مائتا ألف فارس ، ومعه من الفرنج خمسة وثلاثون ألفاً ، ومن
الغزاة الذين يسكنون القسطنطينية خمسة عشر ألفاً ، ومعه مائة ألف نقّاب
وخفار .. ومعه أربعمائة عجلة تحمل النعال والمسامير ، وألفا عجلة تحمل
السلاح والسروج والمناجيق، منها منجنيق عدة ألف ومائتا رجل ، ومن عزمه
قبحه الله أن يبيد الإسلام وأهله ، وقد أقطع بطارقته البلاد حتى بغداد
، واستوصى نائبها بالخليفة خيراً ، فقال له : ارفق بذلك الشيخ فإنه
صاحبنا ، ثم إذا استوثقت لهم ممالك العراق وخراسان لهم مالوا على الشام
وأهله ميلة واحدة ..
فالتقاه السلطان ألب أرسلان في جيشه وهم
قريب من عشرين ألفاً ، بمكان يقال له الزهوة ، في يوم الأربعاء لخمس
بقين من ذي القعدة ، وخاف السلطان من كثرة جند الروم ، فأشار عليه
الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن يكون من وقت الوقعة يوم
الجمعة بعد الزوال حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين ، فلما كان ذلك
الوقت وتواقف الفريقان وتواجه الفئتان نزل السلطان عن فرسه وسجد لله عز
وجل ، ومرغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره ، فأنزل نصره على
المسلمين ، ومنحهم أكتافهم فقتلوا منهم خلقاً كثيراً ، وأسر ملكهم
أرمانوس ، أسره غلام رومي ، فلما أوقف بين يدي الملك أرسلان ضربه بيده
ثلاثة مقارع وقال : لو كنت أنا الأسير بين يديك ما كنت تفعل ؟ قال : كل
قبيح ، قال : فما ظنك بي ؟ فقال : إما أن تقتل وتشهرني في بلادك ، وإما
أن تعفو وتأخذ الفداء وتعيدني ، قال : ما عزمت على غير العفو والفداء ،
فافتدى منه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار ، فقام بين يدي الملك
وسقاه شربة من ماء وقبل الأرض بين يديه ، وقبل الأرض إلى جهة الخليفة
إجلالاً وإكراماً ، وأطلق له الملك عشرة ألف دينار ليتجهز بها ، وأطلق
معه جماعة من البطارقة وشيعه فرسخاً ، وأرسل معه جيشاً يحفظونه إلى
بلاده ، ومعهم راية مكتوب عليها : لا إله إلا الله محمد رسول الله )
.
لم يكن جيش ألب أرسلان يعادل إلا 1/10 من جيش البيزنطيين ،
ولقد أطلق سراح الإمبراطور البيزنطي مع جماعة من أمرائه مقابل أن يطلق
الإمبراطور سراح كل مسلم أسير ، وأن يرسل إليه عساكر الروم لتقاتل معه
في أي وقت يطلبها .
ويا لله ما أروع نصيحة العالم الرباني أبي
نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي في المعركة عندما قال للسلطان :
إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان ، وأرجو أن
يكون الخطباء على المنابر ، فإنهم يدعون للمجاهدين . فلما كان تلك
الساعة صلى بهم ، وبكى السلطان ، فبكى الناس لبكائه ، ودعا فأمنوا ،
فقال لهم : من أراد الانصراف فلينصرف فما هاهنا سلطان يأمر ولا ينهى .
وألقى القوس والنشاب وأخذ السيف ، وعقد ذنب فرسه بيده ، وفعل عسكره
مثله ، ولبس البياض وتحنط ، وقال : إن قتلت فهذا كفني .
الدولة العثمانية لعلي محمد الصلابي ، ص33 ، والتاريخ
الإسلامي لمحمود شاكر 8/44
|
|
|
|
|
|
|