سقطت طليطلة التي كان يحكمها بنو ذو النون –
الذين حكموها في فترة ملوك الطوائف بالأندلس مدة 78سنة – في يد ألفونسو
ملك قشتالة النصراني عام 478هـ بمعاونة المعتمد ابن عباد صاحب إشبيلية
، بعد أن حكمهـا المسلمون ثلاثمائة واثنين وسبعين عاماً ، وأحدث سقوطها
دوياً عنيفاً ، واشتدت وطأة النصارى على المسلمين وتوحدت جهود ألفونسو
السادس ملك قشتالة الذي كان يحكم جليقية وجزءا ًمن البرتغال ، مع سانشو
الأول ملك أراجون ونافارا ، والكونت برنجار ريموند حاكم برشلونة وأورجل
، وساروا بجيش مشترك وحاصروا مدناً وقلاعاً واحتلوا قرى وأحرقوا أراضي
كثيرة ، وانتبه ابن عباد لخطئه بمعاونة النصارى فاجتمع مع أمراء
الأندلس الآخرين في إشبيلية ثم في قرطبة واتفقوا على أن يرسلوا سفيراً
إلى يوسف بن تاشفين سلطان دولة المرابطين في المغرب والجزائر وتونس
وموريتانيا يلتمسون عونه وغوثه .
وجاءت وفود شعبية كثيرة لمدينة
مراكش لنفس الغرض ، فاستشار ابن تاشفين مجلسه الاستشاري فوافقوا شرط أن
يعطيه الأندلسيون الجزيرة الخضراء يجعل فيها أثقاله وأجناده ، وتكون
حصناً له ، وليكون بها على اتصال بإفريقية . ومع شدة ضغط ألفونسو
على المسلمين في الأندلس دفع الأمراء الجزية له ، أو سلموا حصوناً له ،
وسلم ابن عباد الجزيرة الخضراء للمرابطين ، وقال لابنه : ( أي بني ،
والله لا يسمع عني أبداً أنني أعدت الأندلس دار كفر ولا تركتها للنصارى
، فتقوم علي اللعنة في منابر الإسلام مثل ما قامت على غيري ) ، وقال :
( إن دهينا من مداخلة الأضداد لنا فأهون الأمرين أمر الملثمين – لقب
المرابطين - ، ولأن يرعى أولادنا جمالهم أحب إليهم من أن يرعوا خنازير
الفرنج ) ، وقال لبعض حاشيته لما خوفوه من ابن تاشفين : ( تالله إنني
لأوثر أن أرعى الجمال لسلطان مراكش على أن أغدو تابعاً لملك النصارى
وأن أؤدي له الجزية ، إن رعي الجمال خير من رعي الخنازير)
.
وقبل ابن تاشفين الدعوة ، ولما أنهى استعدادته أمر بعبور
الجمال ، وفي ربيع الأول من عام 479هـ سار ابن تاشفين بجيشه من سبتة ،
وما كاد السفن تنشر قلاعها حتى هاج البحر فصعد إلى مقدمة السفينة ،
ورفع يديه نحو السماء ، ودعا الله مخلصاً : ( اللهم إن كنت تعلم أن في
جوازي هذا خيرا ًوصلاحاً للمسلمين فسهل علي جواز هذا البحر ، وإن كان
غير ذلك فصعبه حتى لا أجوزه ) ، فهدأ البحر ، وجازت السفن سراعاً ،
ولما وصلت إلى شاطئ الأندلس سجد لله شكراً .
وتسلم ابن تاشفين
الجزيرة الخضراء ، وأمر بتحصينها أتم تحصين ، ورتب بها حامية مختارة
لتسهر عليها ، وشحنها بالأقوات والذخائر لتكون ملاذاً أميناً يلتجئ
إليه إذا هزم .
ثم غادرها جيشه إلى إشبيلية ، وتعهد كل أمير من
أمراء الأندلس أن يجمع كل ما في وسعه من الجند والمؤن ، وأن يسير إلى
مكان محدد في وقت معين ، ولبث ابن تاشفين في إشبيلية ثمانية أيام حتى
يرتب القوات وتتكامل الأعداد ، وكان صائم النهار قائم الليل ، مكثراً
من أعمال البر والصدقات ، ثم غادر إشبيلية إلى بطليوس، في مقدمة الجيش
الفرسان يقودهم أبو سليمان داود بن عائشة ، وعددهم عشرة آلاف ، ثم قوات
الأندلس عليهم المعتمد بن عباد ، ثم سار بعدهم - بيوم واحد - جيش
المرابطين ، ولما وصلوا إلى بطليوس أقام هناك ثلاثة أيام .
ولما
سمع ألفونسو بمقدم المرابطين وكان محاصراً سرقسطة تحالف مع ملك أراجون
، والكونت ريموند ، فانضما إليه ، وانضم إليه كذلك فرسان من فرنسا ،
وجاءته الإمدادات من كل صوب من ملوك أوروبا ، وعمل الباباوات دوراً
كبيراً في توجيه النصارى وحثهم على القتال .
وكان جيش المسلمين
ثمانية وأربعين ألفاً نصفهم من الأندلسيين ونصفهم من المرابطين ، أما
جيش ألفونسو فقد كان مائة ألف من المشاة وثمانين ألفاً من الفرسان ،
منهم أربعون ألفاً من ذوي العدد الثقيلة ، والباقون من ذوي العدد
الخفيفة .
وعسكر الجيشان قرب بطليوس في سهل تتخلله الأحراش ،
سماه العرب الزلاقة ، وفرق بين الجيشين نهر صغير ، وضرب ابن تاشفين
معسكره وراء ربوة عالية ، منفصلاً عن مكان الأندلسيين ، وعسكر
الأندلسيون أمام النصارى ، ولبث الجيشان أمام بعضهما ثلاثة أيام راسل
فيها ابن تاشفين النصارى يدعوهم للإسلام أو الجزية أو القتال فاختاروا
الثالثة .
وتكاتب القائدان ، ومما كتبه ألفونسو: ( إن غداً يوم
الجمعة وهو يوم المسلمين ، ولست أراه يصلح للقتال ، ويوم الأحد يوم
النصارى ، وعلى ذلك فإني أقترح اللقاء يوم الاثنين ، ففيه يستطيع كل
منا أن يجاهد بكل قواه لإحراز النصر دون الإخلال بيوم ) ، فقبل ابن
تاشفين الاقتراح ، ومع هذا تحوط المسلمون وارتابوا من نيات ملك قشتالة
، فبعث ابن عباد عيونه لترقب تحركات معسكر النصارى ، فوجدوهم يتأهبون
للقتال ، فارتدوا مسرعين لابن عباد بالخبر ، فأرسل الخبر إلى ابن
تاشفين يعرفه غدر ألفونسو ، فاستعد ، وأرسل كتيبة لتشاغل ألفونسو وجيشه
.