بدايات الحياة
لقد
حاول كثير من العلماء أن يصورا لنا بدايات الحياة
تصويرات مختلفة ، بأنها بدأت بالمخلوق ذي الخلية
الواحدة ، ثم انقسمت الخلية وتطورت إلى آخر
مايقولون .
ونقول لهؤلاء : إننا لانأخذ الحياة إلا عن خالقنا
، فخالق الشيء هو الذي يستطيع أن يخبرنا عنه ، والله
سبحانه وتعالى ـ وهو الذي خلق ـ أخبرنا أنه خلق
الإنسان من طين من الأرض ، ولقد استطاع العلم
الحديث الذي كشفه الله لخلقه أن يثبت أن هذا
الطين مكون من ثمانية عشر عنصراً ، وجدوها كلها في
جسد الإنسان .
وقد تتفاوت نسبة هذه العناصر .. فتجد في بعض
الأجساد الحديد أقل أو المغنسيوم أقل ، أو
الكالسيوم مثلاً ، وعندما يتبين للإنسان ذلك ـ
بوسائل التحليل الحديثة ـ يذهب الطبيب فيعطيه من
العلاج مايعوض به ذلك النقص في عناصره ، ولكن
العناصر ـ الثمانية عشر ـ تبقى كما هي ثمانية عشر
عنصرا في كل جسد .
الله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه خلق الإنسان من
طين ، ومن صلصال من حمأ مسنون .
وذلك في قوله تبارك وتعالى :
{ إِذْ قَالَ رَبكَ
لِلملائِكَةِ إِني خَاْلِقٌ بَشَراً مِن طينٍ }
(سورة ص )
وقوله تعالى :
{ وَإِذْ قَالَ رَبكَ
لِلْمَلائِكَةِ إِني خَالِقٌ بَشَراً مِن
صَلْصَالٍ مِن حمأٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَويتُهُ
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن روحِي فَقَعُوا لَهُ
سَاجِدِينَ } .
(سورة الحجر )
وهكذا حدد لنا الله سبحانه وتعالى عناصر جسد
الإنسان ومراحل الخلق ، والله سبحانه رحيم بعقولنا
، لذلك عندما تأتي قضية غيبية يعطينا من المظاهر
المشهودة مايقرب المعنى إلى عقولنا .نحن لم نشهد
الخلق ، ولكننا نشهد كل يوم الموت ، ذلك أمر مشهود
لدينا ، ونقض أي شيء عكس بنائه ، فأنت حين تبني
عمارة مثلاً تبدأ بالدور الأول حتى الدور الأخير ،
وحين تهدمها تبدأ الأخير ، وحين تذهب إلى
الاسكندرية فإن آخر مانصل إليه هو الإسكندرية ،
فإذا أردت أن تعود ، فإن أول ماتغادره هو مدينة
الإسكندرية .. إذن الموت عكس الحياة لأنه نقض لها .
إن آخر مادخل في الإنسان ـ كما أخبرنا الله تعالى
ـ هو الروح . وهي أيضاً أول ماتغادر الجسد ، ثم بعد
ذلك يتصلب الإنسان فيصبح كالحمأ المسنون متصلباً ،
ثم يتعفن الجسد فيصبح كالصلصال ، ثم ينفصل الماء عن
الطين ، الماء ينزل إلى الأرض ، والطين يصبح تراباً
، هذه هي الحقيقة التي ذكرها القرآن الكريم ، والتي
يأتي الموت شاهداً عليها .
الإنسان يريد أن يعرف ماهو الموت ؟ نقول له إعرف
أولاً ماهي الحياة ، فالذي يعطي الحياة للجسد هو
الروح ، والروح مخلوق في داخلك ، ولكنها غيب عنك ،
أنت لاتعرف الروح بهيئتها أو بشكلها وإنما تعرفها
بآثارها ، لأنها هي التي تعطيك الحس وتعطيك الحياة .
|