الوجود .. وادراك الوجود لقد أتعب الفلاسفة عقولهم في محاولة الوصول إلى
ماوراء المادة ، ولكنهم لم يتوقفوا لحظة واحدة
ليتساءلوا من الذي قال لهم إن هناك شيئاً فوق
المادة ، فطرة الإنسان الايمانية قالت هذا ، لأنها
تعرف وتحس أن هناك أشياء وراء الماة ، ولكن هل يمكن
الوصول إليها بالعقل البشري ؟ الجواب لا . إلا أذا أراد الله تعالى أن يكشف
لخلقه سراً من أسرار كونه ، لأن الله تعالى يكشف
لخلقه في كل جيل سراً من أسرار هذا الكون لم تكن
البشرية تراه ، فإذا صادف هذا السر عالم يبحث
عنه .. كشفه الله له وإذا لم يصادفه عالم .. كشفه الله
لنا بما نسميه نحن قانون المصادفة .. وقانون
المصادفة هذا خيالي لاوجود له إلا في عقل البشر . إن هذا الكون بأقدراه وأحداثه الصغيرة
والكبيرة مترتب من الله تعالى حدثاً وراء حدث
لايغيب عن علمه شيء مهما صغر ، ولايقع في كونه شيء
إلا بإذنه ، بل إنه من العظمة أن الله سبحانه وتعالى
سجل كل أحداث الكون من بداية الخلق إلى يوم القيامة
، في كتاب من قبل أن يتم الخلق ، وإقرأ قوله سبحانه
في كتابه الكريم :
{ ماأصاب من مصيبة في
الأرض ولا فيّ أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن
نبرأَهاّ } . ( من الآية 22سورة الحديد ) وقوله تعالى :
( وعنده مفاتح الغيب
لايعلمها إلا هو ويعلم مافي البر والبحر وما تسقط
من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب
ولا يابس إلا في كتابٍ مبين ) . وكون الله سبحانه وتعالى سجل كل أحداث الكون ،
فمعنى ذلك أنه لايوجد شيء اسمه المصادفة ، ولكن كل
شيء يتم بترتيب دقيق ، وبنظام بديع ، لذلك فلا شيء
يحدث بالمصادفة ، إنما نحن ـ لأننا عجزنا عن ادراك
أسرار الوجود ـ نطلق على الأحداث أنها تتم بطريق
المصادفة. حقيقة أن الله سبحانه وتعالى يكشف للعقل من أسرار
الكون بالتدريج مما لم نكن نعرفه ، ولكنه كان
موجودا قبل أن نعرفه ، لذلك فإن هناك فرقا بين
الوجود ، وبين ادراك الوجود ، فملايين الأشياء
موجودة حولنا تؤدي مهمتها في الحياة ، ولكننا ـ وإن
كنا ننتفع بها ـ لاندرك وجودها ، لقد شاء الله تعالى
أن يعلمنا أن هناك ملايين الأشياء تؤدي وظيفتها في
الكون وإن لم نكن نعرفها ، وأن عدم علمنا بها لايعني
أنها غير موجودة . ونوجز مافصلناه في هذا الفصل فنقول : إن الله
سبحانه وتعالى ، جعل الحياة من ذكر وأنثى ، فمن كل
شيء خلق الله زوجين ، وأن التكاثر لايتم بنوع واحد ،
وانما يتم بالنوعين وأن طلاقة القدرة لاتقيدها
الأسباب . ثم بينا أن الإنسان لايمكن أن يصل الى سر الحياة
أو أبدية الخلق وكيف تم ، لأنه لم يشهد هذا ، وإذا
كان الإنسان قد فشل في أن يعرف سراً من أسرار جسده ـ
وهو الروح ـ فكيف يريد أن يعرف السر في خلق الكون
كله . إن الله سبحانه وتعالى لم يجعل العقل أداة لمعرفة
سر الحياة بل إن العقل يتدبر في آيات الله في كونه ،
ليعلم يقينا أن الله تعالى هو الذي خلق الكون ، فاذا
جاء رسول يحمل منهج الله ، فكان من الواجب أن يستقبل
هذا الرسول بالإيمان ولكنه استقبله بالكفر والعياذ
بالله.ونحن حين نريد أن نعرف سر الحياة وسر الموت
فلابد أن نأخذ ذلك عن الله الذي خلق الموت والحياة ،
وأننا في كل يوم ننتقل من الحياة إلى الموت عنما
ننام ، ومن الموت الى الحياة عندما نستيقظ ، ولكننا
لانلتفت إلى ذلك لغفلتنا وقصورنا . وأن الإنسان يخضع على الأقل لقانونين في حياته ،
قانون اليقظة وقانون النوم . ولكن ماهي الحياة ؟ هذا ماسوف نتناوله ـ بإذن
الله وعونه ـ في الفصل التالي .