علم اللـه وعلم البشـر حين أراد سليمان عليه السلام أن ينقل عرش بلقيس
بعد أن غادرت مملكتها في طريقها إلى سليمان .. ماذا
قال لأعوانه من الجن والإنس ؟ قال كما يروي لنا
القرآن الكريم :
{ أيكمْ يأتيني بعرشها
قبل أن يأتوني مسلمين } . (من الآية 38 سورة النمل ) لقد تسابقت الأجناس لاحضار عرش بلقيس لسليمان
عليه السلام سكت الإنسان لإنه من طين لايملك خفة
الحركة ولاسرعتها ، والجن العادي سكت أيضاً .. لكن
الذي تكلم هو عفريت من الجن فماذا قال ؟ يروي القرآن
هذه الواقعة بقوله تبارك وتعالى :
{ قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ
الجِن أنَا ءاتيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُوْمَ مِن
مقَامِكَ } . (من الآية 40 سورة النمل ) وقبل أن يكمل جملته كان عرش بلقيس موجوداً عند
سليمان !! إذن هناك من العلم مايجعل الإنسان قادراً على أن
ينقل شيئاً من مكان إلى آخر في ثوان ، ولكن العلم
ليس متاحاً إلا لمن خصهم الله سبحانه وتعالى به
، ومعنى أنه نقل العرش في ثوان .. إنه ناداه أو
أصدر إليه الأمر فانتقل من قصر بلقيس في اليمن إلى
مجلس سليمان في الشام ! إن هذا يدفعنا إلى أن نسلم بكل مايأتينا الله
به من أشياء لانراها ، ولاينبغي لنا أن ننكر وجودها
ولا حياتها لأننا لاندركها ..لماذا ؟ لأنا عندنا
بالدليل القاطع مئات الأشياء التي لم نكن نراها ولم
نكن ندرك وجودها ، ثم أدركنا هذا الوجود فإذا هي
حقيقة ثابتة في الكون . هناك كذلك حياة في أجسادنا ونحن لاندركها ، أعضاء
الجسم : اليد والقدم واللسان والجلد ، وكل أعضاء
أجسادنا لها حياة نعتقد أنها مأخوذة منا ، بمعنى
أننا نأمرها فتطيع ، القدم تأمرها بالسير إلى
المسجد فتطيع ، وتأمرها بالسير إلى الخمارة
فتطيع ، واليد تعين عاجزاً على عبور الطريق ، وتبطش
بها وتقتل الناس وتعتدي عليهم ، واللسان تقول الصدق
فيطيعك ، وتقول الكذب فيطيعك أيضاً . هذه الأعضاء أنت ـ في الظاهر ـ مسيطر عليها تفعل
لك ماتشاء ، ولكن في الحقيقة أن لها حياتها الخاصة
فهي مسبحة ومؤمنة ، ولها لغة تتكلم بها ، هي مسخرة
لك في الحياة الدنيا فقط ، فاذا انتهت .. فلا سلطان
لك عليها .. ففي الآخرة لاتأتمر ولا تخضع لمشيئتك ،
بل تشهد عليك وتلعنك إن سخرتها فيما يغضب الله ،
واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى :
{ حَتىّ إذَا
مَاجَاءءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ
وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُدُهُم بِمَا كَانُواْ
يَعْمَلُونَ * وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ
شَهِدتمُْ عَلَيْنَا قَالُواّْ أَنطَقَنَا اللهُ
الذِيّ أنطَقَ كُل شَيءٍ } . ( الآية 20 ومن الآية 21 سورة فصلت ) إن من أدى فريضة الحج يتعجب للنشاط الذي يغمر
الحجاج ، فرغم المشقة ورغم أنهم لايحصلون على النوم
فترة كافية ، تجدهم في منتهى النشاط ، بينما هم
يفتقدون ذلك النشاط في بلادهم رغم مايجدونه من راحة
!! نقول إن ذلك يحدث لأن هذه الأعضاء لاتريد أن تنام
ولا تريد أن تستريح ، بل تريد أن تظل ذاكرة عابدة
لله ، فأثناء أداء المشاعر لايشغل الإنسان إلا ذكر
الله ، وهذه الأعضاء تتمنى أنها لم تغب عن الذكر
بالنوم ، حتى تظل مسبحة ، بينما أعضاء الكافر
العاصي تدفعه إلى النوم حتى تستريح من معصيته . قد يقول بعض الناس كيف يمكن لهذه الأعضاء الصماء
أن تتكلم ؟ ونقول إن الآية الكريمة تقول :
{ أنْطَقَنَا اللهُ
الذيّ أَنطَقَ كُل شَيءٍ } ( من الآية 21 سورة فصلت ) إذن كل مايسمى "شيء" في الدنيا له لغة ينطقه
الله بها فالكون كله مسبح لله سبحانه ، وإذا تعجبت
من أن جلدك ويديك وقدميك ولسانك تشهد عليك ، وأن لها
لغة ولها تمييز ، نقول إن الله سبحانه وتعالى قد
لفتنا إلى ذلك ، إننا نجد أعضاء الجسد يعرف بعضها
بعضاً معرفة يقينية بواسطة لغة خاصة أو شفرة خاصة ،
فإذا فقدت جزءاً من جلدك مثلاً وأردت إن تعوضه بجزء
من جلد إنسان أخر ، فإن الجسد لايقبله ويلفظه ،
بينما إذا جرحت أنت أو فقدت عدداً من خلاياك بسبب
جرح عميقٍ أو حرقٍ فإن جسدك يعمل كله بمنتهى القوى
لينسج نسيجاً جديداً من نفس نوع نسيجك القديم ،
ليعوضك عما فقدت . إذن فكل جسد يعرف أجزاءه جيداً ، ويطرد الخلايا
الغيبة عنه ، ومعنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد
علمه كيف يميز بين خلاياه وخلايا جسد آخر .