|
|
|
|
|
|
الحــيـاة...........والمــــــــوت |
|
|
|
|
|
|
|
للامام الشيخ المرحوم
محمد متولي الشعراوي
|
|
|
|
|
|
الحياة في القبر ..!!
عندما يحين الأجل تأتي ساعة الإحتضار ، وتعقبها
حياة القبر ، ثم تنتهي هذه المرحلة بالبعث، وإذا
مادققنا النظر لأدركنا أن هذه المرحلة أو هذه
الفترة وجيزة لاتقاس بما يتبعها من حياة بعد النشور
، والقرآن الكريم يعبر عنها بلفط الزيارة في قوله
تعالى :
{ أَلْهَاكُمْ
التكَاثُرُ * حَتى زُرْتُمُ الْمَقـَابِرَ * )
أي أن الإنسان في القبر هو مجرد زائر ، وليس مقيما
إقامة دائمة ، ومادام زائراً وليس مقيماً ، فإن
الزيارة مهما طالت .. سيأتي لها وقت وتنتهي وتزول ،
وهي زيارة ستنتهي بيوم الحشر ، فالموت هو انتقال من
قوانين الى أخرى مختلفة ، فالإنسان في حياته ، له
جرم مادي ، هو الجسد ،ولكن في الموت يعود الجسد إلى
الأرض مرة أخرى ، ثم ترد إلى صاحبه يوم القيامة .
والموت يبدأ بالاحتضار ، ومعنى الاحتضار ، أن
حياة الاختيار البشري قد انتهت ، فالإنسان في
الحياة الدنيا له اختيارات ، وله عقل يختار بين
البدائل ، ولكنه ساعة يحتضر .. تنتهي فترة الاختيار
التي كانت اختباراً له وامتحاناً وابتلاءً ،وتبدأ
مرحلة أخرى جديدة لااختيار له فيها ، يصبح الإنسان
فيها مقهوراً ، إن الإنسان حين يحتضر يعرف يقيناً
انه ميت ، لأنه يرى الملائكة ، ويرى من كون الله
ماكان محجوباً عنه . واقرأ قوله تعالى :
{ لقَدْ كُنتَ في
غَفْلَةٍ منْ هذا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ
فَبَصَرُكَ الْيَوَمَ حَدِيدٌ } .
( سورة ق )
في هذه اللحظات تخمد البشرية وتتحدد المصائر
يقينا إما إلى الجنة أو إلى النار .. إما أن يرى
ملائكة الرحمة ، وإما يرى ملائكة العذاب ، هكذا
أخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بما
يحدث لأهل الجنة حين يحضرهم الموت يقول سبحانه :
{ الذِينَ تَتَوَفَاهُمُ
الْمَلاّئِكَةُ طَيبِينَ يَقُولَونَ سَلاَمٌ
عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنةَ بِمَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ * } .
( سورة النحل )
وهكذا نعلم أن المؤمنين أصحاب العمل الصالح ساعة
الإحتضار يرون ملائكة الرحمة ، وتكون أول بشارة لهم
بالجنة ، فتنفرج أساريرهم ، ويبتسمون فرحين لأنهم
ذاهبون إلى خير مما كانوا فيه ، إذا نظرت إلى وجوههم
بعد الوفاة تراها ساكنة مطمئنة لما رأت من وعد الله
الذي لايخلفه .
أما أولئك الذين كفروا وعصوا الله وأشركوا به
وحاربوا دينه ، فإن لقاؤهم مع الموت يختلف ، يخبرنا
بذلك القرآن الكريم في قول الله عز وجل :
{ ولو ترىّ إذ يَتَوفى
الذِينَ كَفَروُاْ الْمَلاّئِكَةُ يَضْرِبُونَ
وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ
الْحَرِيقِ } .
(سورة الأنفال )
ويعطينا الله سبحانه وتعالى وصفاً آخر للكفار في
الآية الكريمة التي تقول :
{ وَلَوْ تَرَىّ إذِ
الظالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ
وَالْمَلاّئِكَةُ بَاسِطُوّاْ أَيْدِيهِمْ
أَخْرِجُواّْ أَنفُسَكُمُ اليَوْمَ تُجْزَوْنَ
عَذَابَ الْهونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى
اللهِ غَيْرَ الحق وَكُنتُمْ عَنْ ءَاياتِهِ
تَسْتَكْبِرُونَ } .
( من الآية 93 سورة الأنعام )
وهكذا نعرف من هذه الآيات الكريمة أنه كما يرى
المؤمن مصيره ومقعده في الجنة وهو يحتضر ، يرى
الكافر مصيره ومقعده في النار وهو يحتضر ، بل إن
ملائكة العذاب يهينون الكافر جزاءً على كفره ،
فيضربونه على وجهه وعلى ظهره ويجعلونه يذوق عذاب
الحريق ، ويتحدونه إن كانت له عزوة أو جاه أو منعة
في الحياة الدنيا ، فليخرج نفسه مما هو فيه من عذاب
وإهانة ، ولن يستطيع إخراج نفسه لأنه لايملك القوة
ولا القدرة .
لقد انتهى الاختيار البشري وأصبح مقهوراً ككل
أجناس الكون ، بعد أن نعم بالاختيار في الحياة
الدنيا ، ومن علامات سوء الخاتمة ـ والعياذ بالله ـ
إنك ترى الكافر أو الظالم وقد اكفهر وجهه وتشنج
جسده وتقلصت ملامحه من هول مايرى من العذاب الذي
ينتظره .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر الناس من
هذا المصير أيها الناس :
" إن لكم معالم
فانتهوا إلى معالمكم ، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى
نهايتكم ، إن المؤمن بين مخافتين ، بين أجل قد مضى
لايدري ماالله صانع فيه ، وبين أجل قد بقي لايدري
مالله تعالى ماض فيه ، فليأخذ العبد لنفسه من نفسه
ومن دنياه لآخرته ، ومن الشيبة قبل الكبر ، ومن
الحياة قبل الموت ، والذي نفس محمد بيده مابعد
الموت من مستعتب ، ولابعد الدنيا دار إلا الجنة أو
النار .
إن ساعة الاحتضار ـ كما صورها لنا القرآن الكريم
ـ تزيل الحجب وترفع الغطاء وتحد البصر ، وتكشف كل
ماكان غيباً عنا مصداقاً لقوله تعالى :
{ فلولاّ إذا بَلَغتِ
الحلْقُومَ * وأنتُمْ حِنَئِذٍٍ تنظروُنَ * ونحنُ
أقْربُ إليهِ مِنكُمْ ولكِن لاتبصِرُونَ } .
( سورة الواقعة )
في هذه اللحظة تبدأ أول منازل الآخرة ، لأن من مات
قامت قيامته وعرف آخرته .. إنه حين يموت يسمع ، لكنه
لايستطيع الرد ، ويرى ولكنه لايستطيع أن يروى
مايراه ، إن لهم إدراكاً كما للحي إدراك .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا :
" إذا زرتم
المقابر
فسلموا علىأهلها . وقولوا : السلام عليكم ديار قوم
مؤمنين " ومادام رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
أمرنا بهذا ، فلابد أن هناك إدراكاً ماعند أهل
المقابر لهذه التحية ، وإلا لما أمرنا بها رسول
الله صلى الله عليه وسلم .
إذن هناك إدراك ما لسكان القبور بالنسبة
لزائريهم وتحيتهم لهم ، وهناك إدراك آخر بأن هناك
عقلاً او فكراً مما يجعلهم يميزون بين الأمل واليأس
، قال تعالى :
{ ياّأيها الذينَ
أَمنُوا لَاتَتَوَلوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ
عَلَيْهِمْ قَضْ يَئسُوا مِنَ الأَخِرَةِ كَمَا
يَئِسَ الْكُفارُ مِنْ أصْحابِ الْقُبُورِ } .
(سورة الممتحنة )
درجة اليأس هذه التي وصلوا إليها محتاجة إلى
إدراك بشيء ما ، فلا يمكن أن يصل إلى درجة اليأس أو
يعيشها إلا مدرك يميز بين الأشياء ، بحيث يعرف أن
هذه درجة يأس ، وهذه درجة أمل ، فالله تعالى قد قال :
" كما يئس الكفار من أصحاب
القبور " .
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|