الجنة .. الحق سبحانه وتعالى .. جعل في الحياة الآخرة أشياء
كثيرة .. وإن كانت غيباً عنا .. وإذا كانت الجنة فيها
مالاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ،
فإنه من الصعب ان نأتي بالألفاظ التي تصف لنا
الحياة في الجنة .. ذلك أن الصورة يجب أن تكون موجودة
أولاً في العقل .. ثم بعد ذلك يختار لها اللفظ
المناسب لها الدال عليها .. فقبل أن يخترع
التلفزيون مثلاً .. لم يكن لفظ التلفزيون
موجوداً في أي لغة من لغات العالم .. فلما وجد
التلفزيون وأصبح حقيقة .. اجتمعت المجامع اللغوية
الموجودة وإختارت له اللفظ المناسب . إن الله تبارك وتعال حين يعطينا وصفاً عن الحياة
في الجنة يقول : " مَثَلُ الحياة " .. أي أنها
ليست هي .. ولكنه (مَثَلٌ) يقربها إلى الذهن بشيء
معروف .. وأنت حين تريد ان يعلم الذهن شيئاً مجهولاً
، فإنك تشبهه بشيء معلوم لكي يفهم السامع .. كأن
تحاول أن تعرف أي إنسان عن كروية الأرض .. فتأتي له
بخريطة الأرض مرسومة على كرة وتقول له أن الأرض مثل
هذه الكرة .. وحين يدخل أصحاب الجنة ـ الجنة ـ ستتشابه
عليهم الأشياء ... فيخيل إليهم أنها تشبه الذي رزقنا
من قبل في الحياة الدنيا .. ولكنه في الحقيقة غيره ..
لذلك يأمرهم الله سبحانه وتعالى أن يأكلوه .. فيجدوه
غير الذي عرفوه في الدنيا تماماً .. ولذلك فإن كل
الوصف الذي يعطيه الله سبحانه وتعالى للحياة في
الجنة هو محاولة لتقريب المعنى إلى العقل الإنساني
ليتخيل الصورة التي ستكون عليها .. ويكفي أنك تعرف
أنه بمجرد ورود الشيء على خاطرك تجده أمامك .. وهذا
مالايمكن لأحد أن يحققه في الدنيا . وكنت مرة في زيارة للولايات المتحدة الأمريكية ..
وأخذوني إلى فندق ينزل فيه الملوك .. وأرادوا أن
يبهروني بالتقدم العلمي .. كل شيء معد في الحجرة ..
تضغط على زر يأتيك فنجان القهوة .. وعلى زر آخر يأتيك
فنجان الشاي أو الطعام أو غير ذلك .. وسألوني مارأيك
؟ قلت إذا كانت هذه الفخامة كلها هي ماأعده البشر
للبشر .. فكيف بما أعده رب البشر للبشر . ان الشيء في الجنة يخطر على بال الإنسان فيجده
أمامه .. وكل مايتمناه البشر موجود .. والله عنده
أكثر من كل ماتستطيع العقول أن تتمنى .. ولذلك يقول
سبحانه وتعالى :
{ لَهُم مَايَشَآءُونَ
فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } . (سورة ق) أي أن الله سبحانه وتعالى .. يعطي الإنسان في
الجنة كل مايشتهيه ، وما يمكن أن يدركه عقله .. ثم
يكون هناك أكثر وأكثر .. ويكفي سعادة ومتعة أن نرى
الله يوم القيامة .. فتلك النعمة الكبرى .. التي يحصل
عليه أي إنسان في هذا الكون .. وعندما يرى الإنسان
الله .. فإنه لايريد نعيماً ولا يشتهي شيئاً أكثر من
أنس النظر إلى الله سبحانه وتعالى .. ولذلك يقول
الحق جل جلاله في القرآن الكريم :
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
ناضِرَةُ * إِلَى رَبهَا نَاظِرَةٌ } (سورة القيامة ) وأكبر مايمكن أن يقع على الإنسان يوم القيامة من
عقاب هو أن لايرى الله ولاينظر الله إليه ولايكلمه
.. تلك عقوبة كبرى لايعرفها إلا أولئك الذين في
الدرك الأسفل من النار .. لذلك يقول الحق تبارك
وتعالى عن أهل النار :
{ وَلَا يُكَلِمُهُمُ
اللهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ } . (من الآية 77 سورة آل عمران ) ويقول جل جلاله :
{ إِنهُمْ عَن رَبهِمْ
يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } (من الآية 15 سورة المطففين ) إننا لابد أن نفهم أن الحياة في الجنة أو في النار
.. سيتغير فيها تكوين الجسد .. بحيث ينتقل من الفناء
إلى الأبدية .. وبحيث يلائم الجسد ظروف الحياة التي
يعيشها .. فأهل الجنة يتغير تكوين أجسادهم لتلائم
الحياة في الجنة .. فيرون الله ويحدثهم ويسمعونه ..
وأهل النار ـ والعياذ بالله ـ كلما احترقت جلودهم ..
تبدلت لتعود إليها الحياة .. حتى يحسوا بالعذاب
والألم لأن أعصاب الحس موجودة تحت الجلد مباشرة ..
كما كشف العلم أخيراً .. ولذلك يقول الحق تبارك
وتعالى :
{إِن الذِينَ كَفَرُواْ
بِأََيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارَاً كُلمَا
نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدلْنَاهُمْ جُلُوداً
غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ العَذَابَ إِن اللهَ
كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً * } . (سورة النساء) . وهكذا نرى أننا سنكون في خلق جديد .. ليعطينا الله
تبارك وتعالى ثمرات ماعملناه في الدنيا .. وليعطينا
الحياة الأبدية التي تليق بذلك الإنسان الذي كرمه
سبحانه وتعالى .. وخلق كل هذا الكون من أجله.. تلك هي
الحياة التي يريدها لنا الله .. أما أهل النار ـ
والعياذ بالله ـ فأنهم تمتعوا في الحياة الدنيا
قليلاً .. وأخذوا في الحياة الآخرة خلود العذاب ..
لقد خسروا أنفسهم بعصيانهم الله سبحانه وتعالى ..
خسروا حياتهم الحقيقية التي أعدها الله جل جلاله
لهم . إلى هنا ونصل إلى خاتمة هذا الحديث .. لعل الله
سبحانه وتعالى أن يكون قد وفقني لما يحبه ويرضاه ..
وأسأله سبحانه أن يكون هذا الكتاب هدى لكل من يقرؤه
.. وطريقاً إلى الحياة الحقيقية في الجنة .. إنه سميع
مجيب الدعاء .