البعث .. بالدليل المادي أمام هذه الأدلة كلها التي تقرب إلى العقل أن كل
إنسان صورة غير مكررة من الآخر .. وأنه يمتاز بأشياء
تخصه وحده .. وأن هذه الأشياء مكتوبة بشفرة خاصة على
النطفة التي هي البداية في أن يأتي الإنسان من عالم
الذر أو الموت إلى الحياة الدنيا ليمارس مهمته ..
نعلم تماماً أن إعادة الخلق أسهل من بدايته .. وإن
كان لايوجد سهل ولاصعب على المولى جل جلاله .. لأنه
يقول للشيء كن فيكون .. ولكننا نقول ذلك باعتبار أن
إعادة الموجود أيسر ـ بالنسبة لنا ـ من إيجاده
أولاً .. فالله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم
ليقرب المعنى إلى أذهاننا نحن :
{ وَهُوَ الْذِي
يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثُم يُعِيدُهُ وَهُوَ
أَهْوَنُ عَلَيْهِ } . (من الآية 27 سورة الروم ) إن الإنتقال من مرحلة إلى مرحلة .. في رحلتنا إلى
الحياة الأبدية لايتم إلا بقدرة الله سبحانه
وتعالى وحدها .. وحين نخرج من قبورنا فليست هذه
الحياة الآخرة .. أنها خروج إلى يوم الحساب ..يوم
يبعث الناس جميعاً .. من قبورهم التي دفنوا فيها ..
ويخرجون كما قلنا بكلمة "كن" للنطفة .. فكما
كانت النطفة في عالم الذر تحيط بها مظاهر الموت ،
حتى أذن الله لها بالمجيء "بكن" فبدأت الحياة
فيها لتنفذ ماهو مكتوب عليها .. من حمل إلى ميلاد إلى
طفولة .. إلى بلوغ للعمر المقدر إلى موت .. فكذلك ساعة
البعث عندما يقال للنطفة "كن" .. يبدأ الناس
يخرجون من قبورهم لكن كيف سيخرجون ؟ هل سيظل الإنسان يحاول الخروج .. ويدفع التراب
الذي فوقه ؟ أبداً .. إن الأرض ستنشق له بأمر الله
واقرأ قوله سبحانه :
{ يَوْمَ تَشَققُ
الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعَاً ذَلِكَ حَشْرٌ
عَلَيْنَا يَسِيرٌ } . (سورة ق ) ولماذا أسماه الله سبحانه وتعالى حشراً ؟ لان كل
من دفن في الأرض سيخرج منها ، رغم أنهم لم يدفنوا
مرة واحدة .. بل دفنوا عبر قرون كثيرة وتناثرت
أجزاؤهم في أماكن متباعدة بعد أن تحولت إلى تراب ..
ولكنهم سيخرجون مرة واحدة ..فتضيق بهم الأرض ..سماه
الله سبحانه وتعالى يوم الحشر .. لأن الزحام سيكون
شديداً . ولك أن تتصور أرضا كمصر مثلاً .. استقبلت أمواتاً
عبر قرون كثيرة .. ثم إذا بهؤلاء جميعاً يخرجون مرة
واحدة .. زحام شديد ويوم رهيب . ولقد سألني واحد وأنا في أمريكا .. أين تذهب الروح
بعد الموت ؟ فقلت له حيث كانت قبل أن تأتي إلى
الحياة .. وسألني آخر كيف يتم تسجيل كل أحداث الكون ؟
قلت أنها ليست مسجلة فقط .. بل مكتوبة عند الله
سبحانه وتعالى قبل أن تقع .. وهذا دليل على القدرة
الإلهية وعلى إحاطة علم الله .. فكل عمل وكل حدث يتم وفق تسجيل الله له .. واقرأ
قوله تعالى :
{ مَاّأصَابَ مِن
مصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِيّ أَنفُسِكُمْ
إِلا فِي كِتابٍ مِن قَبْلِ أَن نبْرَأَهَا إِن
ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ } . (سورة الحديد) ويبلغ من دقة التسجيل أن عين القتيل تسجل في
حدقتها سورة القاتل .. ولو أننا استطعنا أن نصل إلى
حدقة المقتول لرأينا صورة القاتل .. كل شيءٍ مسجل
وعليه دليل .. والله سبحانه وتعالى قبل أن يخلق
الحياة خلق الموت .. وعندما يولد الإنسان ينطلق ملك
الموت يبحث عنه .. وعمر الإنسان بقدر بحث ملك الموت
عنه .. فعندما يلتقينا يكون الأجل .