ماهو الموت
قبل
أن نبدأ في الحديث عن الموت ، لابد أن نقول إن
الحياة عند الله ليست هي الحياة الدنيا ، بل أنها
الحياة الآخرة ، ذلك أن الله سبحانه وتعالى عندما
خلق الإنسان ونفخ فيه من روحه أعطاه الأبدية ،
بمعنى أن كل من ولد وجاء إلى هذه الحياة سيبقى
خالداً مخلداً ، إما في الجنة وإما في النار
والعياذ بالله ، حتى الطفل الصغير الذي يموت وهو في
أول العمر ، سيبعث ويكون خالداً مخلداً في الجنة ،
بل سيأخذ أبواه معه ويدخلهما الجنة .
إن الله سبحانه وتعالى عندما نَفَخَ من روحه في
الإنسان أعطاه الأبدية ، فهو يعيش في هذا الكون
حياته الدنيا أياما أو سنوات ثم يموت ، ثم يبعث
فيعيش الحياة الأبدية في الآخرة حسب عمله في
اتباع المنهج أو مخالفته ، فهو إما ينعم وإما يعذب ،
ويعبر القرآن عن ذلك في قول الله سبحانه :
{ وَإِن الدارَ
الأَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ
يَعْلَمُونَ } .
( من الآية 64 سورة العنكبوت )
أي أن الدار الآخرة هي الحياة الحقيقية التي
يعيشها الإنسان ، أما الحياة الدنيا فهي محدودة
مهما طالت أعمارنا فيها ، وهي دار اختبار للإنسان ،
لادوام فيها ، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه
الكريم :
{ اسْتَجِيبُواْ لله
ولِلرسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِما يُحُييكُمْ } .
( من الآية 24 سورة الأنفال )
هذا الخطاب للمؤمنين ، والله سبحانه وتعالى
يخاطبهم وهم أحياء ، فكيف يقول لهم (لما يحيكم ) مع
أنهم أحياء فعلاً ؟
نقول إن هذه الحياة ليست هي حياة الخلود التي
أعدها الله للإنسان ، ولكنها دار اختبار ، يختبر
فيها الإنسان في منهج الله ، فإذا نجح دخل الجنة ،
وإذا ترك شهواته ومعاصيه تسيطر عليه ، دخل النار .
الله سبحانه وتعالى يسمي كل حي في هذه الدنيا ميت
ومعنى ميت ، أن مصيره حتماً إلى الموت ، ولذلك يخاطب
الله رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله :
{ إِنكَ مَيتٌ وإِنهُم
ميتُونَ}
(سورة الزمر)
مع أن الخطاب وُجهَ للرسول صلى الله عليه وسلم
وأصحابه وهم أحياء ، فكيف يخاطبهم الله تعالى بأنهم
أموات ؟ ذلك لأن هذا هو مصيرهم ، والإنسان عندما
يولد وتبدأ حياته ينطلق في نفس اللحظة سهم الموت ،
ويظل الموت يبحث عن صاحبه حتى يأتي الأجل فينفذ
السهم .
والموت ليس أصيلاً في الكون ، ولكنه رحلة عابرة ،
نحن في عالم الذر كنا أمواتاً ، جئنا إلى الدنيا
أحياء ، ثم نموت مرة أخرى ، ثم نبعث ولذلك يقول الحق
سبحانه :
{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ
بِاللهِ وكُنتُمْ أمْواتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُم
يُمِيتُكُمْ ثُم إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } .
( سورة البقرة )
إن مراحل حياة الإنسان ، أو رحلة الحياة التي
يقوم بها الإنسان مقسمة إلى أربع مراحل : المرحلة
الأولى : موت في عالم الذر ، والمرحلة الثانية : حياة
في الدنيا ، والمرحلة الثالثة موت في حياة البرزخ ،
والمرحلة الرابعة حياة خلود إما في الجنة وإما في
النار ، وفي يوم القيامة يأتي الموت وتقبض روحه أو
يذبح كما يخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
في حديثه الشريف :
" يأتي الموت يوم القيامة على هيئة كبش فيذبح ،
وينادي مناد من قبل الله تعالى : ياأيهل الجنة خلود
بلا موت ، وياأهل النار خلود بلا موت " .
إذن فهناك نهاية للموت ، يقول الله سبحانه وتعالى
عن أهل الجنة :
{ لايَذُوقُونَ فِيهَا
الْموًتَ إِلا الْموْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ
عَذَابَ الجَحِيمِ } .
( سورة الدخان )
وهكذا نعرف أن الموت له نهاية ، وأن الحياة هي
التي ستبقى خالدة مخلدة ، وأن الحياة هي الأصلية في
الكون ، والموت طارئ عليها . |